المريد

  واحتي
ومن أسماء الله الحسنى : المُريد

سنراعي في كل اسم من أسماء الله الحسنى نقاط ثلاث :

1. تعريف الاسم

2. تطبيقاته العملية

3. علاقة المؤمن به

المُريد في اللغة اسم فاعل أراد يُريد فهو مُريد ، والرَّوْد معناه الطلب ، أراد أي طلب ، والإرادة أيضاً هي المشيئة ، شاء وأراد بمعنى واحد ، والإرادة من معانيها الفرعية السعي في طلب الشيء ، والإرادة نزوع النفس إلى الشيء ، ومعنى آخر دقيق هو الحُكم على الشيء ، والحقيقة هو النزوع إلى الشيء وهذا المعنى يليق بالإنسان ، ولكن لا يليق بالواحد الديَّان ..

وإذا قلنا الإنسان أراد : أي نزع إلى الشيء ، واتجه إلى شيء ، وأقبل على الشيء ، وأغلب الظن أن هذا الشيء بعيد عنه ويحتاج إلى وسيلة ، ولكن الله جل جلاله مُنزَّه أن يتخذ من غاياته وسيلة ، أما الإنسان يُكمل ضعفه بوسيلة ..

كيف نوفِّق بين أن الفعل بيد الله وأن الإنسان مُخيَّر ؟ أيُعقل أن يسرق سارق في الأرض خلاف مشيئة الله ؟ هل يُعقل أن الله أمره أن يسرق ؟ قال تعالى : (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) الأعراف: 28 ، أيقع في مُلكه ما لا يريد ؟ حاشا لله ، هناك شر يقع ، كيف يقع هذا الشر ؟ إرادة الله مع المخير سماح ، لكن مع المسيَّر إرادة أمر ، فإذا اقترف أحدٌ معصية معنى ذلك أن الله تعالى سمح له ، ولماذا سمح له ؟ لأنه مُخيَّر ولأنه جاء إلى الدنيا ليفعل أفعالاً اختيارية ، والإختيار يُكمِّل عمله ، إذاً يليق بالله عزوجل أن تكون إرادته في الكون إرادة حُكْم ، إلا أن إرادته مع الكائن المُخيَّر من الإنس والجن إرادة سماح ..

معنى آخر من معاني الإرادة وهو القصد ، قال تعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) القصص: 83 ، فالقصد والأمر والحكم والسماح والنزوع كلها من معاني الإرادة ، لكن هناك نقطة دقيقة وهو أن الإنسان مُخيَّر أن يفعل ما يشاء ، ولكنه لا يستطيع أن يصُبَّ اختياره على من يشاء ، فله أن يسرق ولكن ليس له أن يسرق ممن يشاء ، يسرق ممن يُسيِّرُهُ الله تعالى لسرِقته ، وهذا هو معنى قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) الأنعام: 129

إذاً الإرادة التي يريدها الإنسان إن كانت ليست في صالحه فربُنا سبحانه لا يسمح له أن يفعلها ، أما إذا بلغت إرادته درجةً عاليةً من الإصرار فعندئذٍ ربنا سبحانه يسمح له أن يُنفِّذها ، لا على من يشاء الإنسان ، ولكن على من يشاء الله ، والله يسوق ظالماً لظالمٍ ، ومُنحرفاً لمنحرفٍ ، أو يسوق إنساناً لا يعرفه ليؤدب من يعرفه ..

يقول تعالى : (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) الأنعام: 125 ، الإنسان أراد الهدى فشاءت إرادة الله أن يهتدي ، كيف يُعينه الله على هذا الطلب الرفيع ؟ ( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ ) لأن القلب بين اصبعين من أصابع الله فيشرح صدره للإسلام ، وإن أراد الضلال وأصر عليه سمح الله له لأنه اختياري ، فجعل صدره ضيقاً حرجاً ، وهنا الحكمة أن القلب بين اصبعين من أصابع الله يُقلِّبه لصالح عبده المؤمن كما يشاء ، شاء الهدى فشرح الله صدره للهدى ، وشاء الضلالة فضيَّق الله له صدره ..

ويقول تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ ) النساء: 26 ، يعني إرادته متعلقة بهدايتكم ، ولأنكم مخيرون فدور المُربي مع المُخيَّر التوضيح ، ولو تركنا لضاع منا كل شيء ، وعلى الرغم من أنه أعطانا كل شيء فإذا اتخذنا قراراً صحيحاً شرح صدورنا وشجعنا وكافأنا وأكرمنا ، وإن اتخذنا قراراً خاطئاً ضيَّق صدرنا وعسَّر أمرنا ..

ويُطالعنا شيء آخر وهو أن الإنسان يُحمِّل نفسه ما لا تطيق وهو غافل ، ويحمل من الذنوب والخطايا ما لا يطيق حمله يوم القيامة وهو لا يدري لكن الله يعلم ، لذلك قال تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) النساء: 28 ، يُبين لكم كي تتوبوا ، وإذا تُبتُم خفف عنكم ..

ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ إذا كُنت مع المريد أو مع الفعَّال يحقق لك كل ما تريد ، وأن تُنزه الله عما لا يليق به ، فرب العالمين لا يضرنا ولا يهلكنا إلا بإرادتنا ، واعلم أن كل شيء أراده الله وقع ، وأن كل شيء وقع أراده الله ، وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المُطلق ..

 

( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

Leave a comment