مؤتي الحمة

  
ومن أسماء الله الحسنى : مؤتي الحكمة

سنراعي في كل اسم من أسماء الله الحسنى نقاط ثلاث :

1. تعريف الاسم

2. تطبيقاته العملية

3. علاقة المؤمن به

الله حكيم ويؤتي الحكمة ، وحليم يؤتي الحِلم ، ورحيم يؤتي الرحمة ، والحكمة تدل على الترجيح ، رجَّحت هذا المكان يعني اخترت هذا الوضع المناسب ، ولا ترجيح بلا مُرجِّح ، ودليل الحكمة من أكبر الأدلة على وجود الله وعلى عظمته ، فمثلاً الطير الصغير الذي في البيضة كيف سيخرج منها ؟ في وقت مناسب جداً وفي مكان مناسب جداً ، وفي شكل مناسب وهذه حكمة ، والحكمة تحتاج إلى مُرجِّح ، وكل ما في الكون يدل على حكمته سبحانه ..

وحكمة الله مُطلقة ، أما الإنسان فحكمته نسبية ، فأحياناً يفعل فعلاً غير حكيم بسبب ضغط أو إغراء أو جهل ، والإنسان إذا بدا لك حكيماً فهو حكيم أحياناً ، أما حكمة الله مطلقة لأنه مُنزَّه عن الضغط والإكراه والجهل ، فأفعاله تعالى تُلابسُها الحكمة المُطلَقة ، والحكمة المطلقة مُتعلقة بالخير المُطلق ، وكل شيء وقع لحكمةٍ بالغةٍ مطلقةٍ ، وكلها للخير المطلق ، ولكنك ترى رؤية محدودة أن الشرَّ وقع مُختاراً وتتألم ، ولكن الله يريد من أفعاله كلها الخير المطلق ..

والحكمة أن نضع الشيء المناسب في المكان المناسب في الحجم المناسب في الوقت المناسب بالقدر المناسب والأسلوب المناسب ، والله وحده حكيم ، وحكمة البشر مُسْتنبطة من حكمة الله ، وحينما فتح النبي عليه الصلاة والسلام مكة ، فماذا قال أبو سفيان ؟ قال : بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك ، إنها كلمة لخَّصت صفات النبي صلى الله عليه وسلم الإنسانية من فم رجل كان بالأمس العدو الألد ..

يقول تعالى : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) البقرة: 269 ،( خَيْرًا كَثِيرًا ) إنما الخير الكثير أن تؤتى الحكمة ، لأنك بالحكمة تسعد ، وبالحكمة تُصلح الزوجة السيئة ، وبالحُمق تقسد الصالح ، وبالحكمة تجلب المال ، وبالحمق تُبدِّد المال ، وبعضهم قال : الحكمة ليست كسْبِيَّة ، فهي لا تُكتسب بل تؤتى ، وبعضهم قال : المؤمن حينما يستقيم على أمر الله ويُخلص له ، يُكافئه بالحكمة ..

قد تُحصِّل علماً كبيراً ولا تكون حكيماً ، أما الحكمة أن تستفيد من علمك ، وأن تجعل من عِلمك عِلماً عملياً ، والحكمة إصابة الحق ، والحق ما طابق الواقع ..

قال تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) لقمان: 12 ، الحكمة كلها أن تشكر الله ، فالله عزوجل أنعم علينا بنعم لا تُعد ولا تُحصى ، فالحكمة أن تشكر الله ..

والحكمة أن كل شيء بيد الله يؤتي الحكمة من يشاء أو يؤتي الضلال من يشاء ، فالكفار أعمالهم لا تحقِّق أهدافها ، ولا تصل إلى غاياتها ، فحركة الإنسان الكافر عشوائية ، فالحكمة أن تأتي أعمالك مُطابقة لأهدافك ..

والله يؤتي المال لمن يحب ولمن لا يحب ، فآتاه قارون وهو لا يُحبه ، وآتاه لعثمان بن عفان وهو يُحبه وجهَّز به جيش العُسرة ، لكن العلم والحكمة لا يُعطيهما إلا لمن يُحب ، قال تعالى : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) يوسف: 22 ، فالإنسان بالحكمة يسعد ، ومن دونها يشقى …

ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ أيها المؤمن كُن حكيماً ، من علامة الحكمة فيك أن لا تندم على فعل أو قول ، والندم يُرافق الحمق ، وعدم الحكمة ، وكُن في اتصال وإقبال مع الحكيم ، لأنه سيؤتيك الحكمة ، كُن مع الحكيم تغْدُ حكيماً ، كن مع العليم تغدُ عليماً ، وكم مع الرحيم تغدُ رحيماً ، واطلب من الله أن يؤتيك الحكمة ، والحقيقة أن الإنسان إذا افتقر إلى الله ألهمه الحكمة
( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

Leave a comment