Archive | October 2015

الرب

  
واحتي

ومن أسماء الله الحسنى : الرَّب

سنراعي في كل اسم من أسماء الله الحسنى نقاط ثلاث :

1. تعريف الاسم

2. تطبيقاته العملية

3. علاقة المؤمن به

الرَّب وهو من أقرب الأسماء إلى العبد ، والرَّب هو المالك والسيِّد والمُنعم والمُربي ، وحين نقول : ربُّ البيت صاحبها ، عالم ربَّاني أي راسخ في العلم ، إنسان ربَّاني أي كل حياته محصورة في معرفة الله وذكره وخدمة عباده ، والرّب مُشتقة من التربية ، فالله مُربٍّ ومدبرٍ لخلقه ، والمرب له صفتان أساسيتان .. أنه مُمِد وأنه يرعى ، فالذي يُمدُّنا بما نحتاج إليه هو ربُّنا ، والذي يُمد أجسادنا هو ربُّنا ، والذي يُربي نفوسنا ويهدينا إلى صراطه المستقيم هو ربُّنا ..

وقالت العلماء : إذا أُدخِلت – أل – على كلمة رب اختصَّ الله تعالى بها ، الرب هو الله لأنها للعهد ، أي الرب المعهود ولا رب سواه ، أم رب البيت بدون إضافة فقد يكون إنسان ، والرب من معانيه أنه خالق ورزَّاق ، فالأب يُربي أولاده ، لكن لم يخلقهم ولم يرزقهم ، وأنت في نِعمٍ ثلاث .. نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والإرشاد ، أوجدك ولم تكُن شيئاً من قبل ، وأمدَّك بما تحتاج إليه ، ثم هداك إليه وأرشدك .

الرب وردت في القرآن الكريم بضع مئات من المرات ، والحقيقة كلمة ( رب ) ذات خصائص جمَّة ، أولاً من خصائص التربية العلم والرحمة وأيضاً القدرة ، فهو يعلم وهو على كل شيء قدير وهو رحيمٌ بنا ، أما معنى قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الفاتحة ، فهو خالق الأكوان وجميع العوالم التي خلقها ، فالعلاقة بين خالق الأكوان وجميع العوالم علاقة تربية أي خلق وإمداد وإكرام وعناية ، ورب ليس الناس فقط بل كل النباتات والجمادات والحيوانات ..

والرب لها معنى آخر في قوله تعالى 😦 أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ) الأعراف: 54 ، أي خلقه ويأمُرُه دائماً ، أمره بيده ، تحت سيطرته وفي قبضته ، ومعنى ثالث أن هذا الشيء الذي خُلِق لا يصلُح ولا يستقيم أمره إلا إذا اتبع أمر الذي خلق ، ما من حركة ولا سكنة ولا إعزاز ولا إذلال ولا طمأنينة إلا بيده ..

يقول تعالى : ( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ) المعارج: 40 ، فكل يوم لها شروق معين ، يتحرك على مدار العام ، كل يوم لها زاوية تُشرق منها ، ورب العالمين أي مالكهم ، وكل من ملك شيئاً فهو ربه ..

ورب العالمين تعني الثناء المُطلق على الله فهو الخالق الرزَّاق القدير المُحب ، فالخلق والرزق والإمداد والعلم والرحمة والقدرة والحب والإكرام والرأفة كلها جُمعت بكلمة رب العالمين ..

وبعد فتربية الله لعباده تأخذ منحيين اثنين : تربية خَلْقيِّة ، وتربية شرعية تعليمية ، فربُّنا عزوجل يُربي أجسامنا بإمدادها بما تحتاج إليه ، ويُربي نفوسنا بتزكيتها لتكون أهلاً لجنته ..

وإليك معنى آخر قالوا : الله عزوجل يُربي نفوس العابدين بالتأييد ، ويُربي أرواح العارفين بالتوحيد ، ومن معاني الربوبية هو إصلاح أمور العباد ، يقول تعالى : ( وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) النساء: 113 ، فأول صفة من صفات المُربي ، أن يُكافىء المُحسن وأن يُعاقب المُسيء ، فالله يُربينا عن طريق قلوبنا ..

فأنت حينما تتخذ قراراً حكيماً في صالح إيمانك يشرح الله لك صدرك ، وحينما تنحرف قليلاً عن طريق الحق يملأ قلبك ضيقاً وقلقاً وحيرة ..

إذا شعر أحدنا أن الله يتابعه ويُحاسبه ويُعاقبه سريعاً فهو في موطن عناية شديدة ، أما إذا ارتكب الإنسان المعاصي ولم يُحاسبه الله ولم يتابعه فاعلموا أنه خارج العناية الإلهية فأوكله الله إلى نفسه ، هذه تربية الله لنا ، وليعلم كل مؤمن أن المصائب كلها لو كُشفت حكمتها لكم لكنتم في درجة من قبولها لا توصف ، وأن الله ساق لهم الشدائد ليحملهم على التوبة ، فإذا قلنا تابوا فتاب عليهم ، أي قبِل توبتهم ، أما إذا قلنا : (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ) التوبة : 118 ، أي أن الله ساق لهم الشدائد ليحملهم بها على التوبة ..

ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ إذا ساق الله لأحدنا بعض الشدائد فليعلم علم اليقين أنه مطلوب لرحمة الله ، وأن فيه خيراً ، لذلك إذا أحبَّ الله عبده عجَّل له بالعقوبة ، إذا أحب الله عبده ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، فإن شكر اقتناه ، إذا أحب الله عبده جعل له وازعاً من نفسه ، إذا أحب الله عبده جعل حوائج الناس إليه ، فالمؤمن لا يتضجر ولا يتأفف من تضييق من الله عزوجل ، فهذا التضييق محض رحمة ، وإكرام ..

 

  ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

مؤتي الحمة

  
ومن أسماء الله الحسنى : مؤتي الحكمة

سنراعي في كل اسم من أسماء الله الحسنى نقاط ثلاث :

1. تعريف الاسم

2. تطبيقاته العملية

3. علاقة المؤمن به

الله حكيم ويؤتي الحكمة ، وحليم يؤتي الحِلم ، ورحيم يؤتي الرحمة ، والحكمة تدل على الترجيح ، رجَّحت هذا المكان يعني اخترت هذا الوضع المناسب ، ولا ترجيح بلا مُرجِّح ، ودليل الحكمة من أكبر الأدلة على وجود الله وعلى عظمته ، فمثلاً الطير الصغير الذي في البيضة كيف سيخرج منها ؟ في وقت مناسب جداً وفي مكان مناسب جداً ، وفي شكل مناسب وهذه حكمة ، والحكمة تحتاج إلى مُرجِّح ، وكل ما في الكون يدل على حكمته سبحانه ..

وحكمة الله مُطلقة ، أما الإنسان فحكمته نسبية ، فأحياناً يفعل فعلاً غير حكيم بسبب ضغط أو إغراء أو جهل ، والإنسان إذا بدا لك حكيماً فهو حكيم أحياناً ، أما حكمة الله مطلقة لأنه مُنزَّه عن الضغط والإكراه والجهل ، فأفعاله تعالى تُلابسُها الحكمة المُطلَقة ، والحكمة المطلقة مُتعلقة بالخير المُطلق ، وكل شيء وقع لحكمةٍ بالغةٍ مطلقةٍ ، وكلها للخير المطلق ، ولكنك ترى رؤية محدودة أن الشرَّ وقع مُختاراً وتتألم ، ولكن الله يريد من أفعاله كلها الخير المطلق ..

والحكمة أن نضع الشيء المناسب في المكان المناسب في الحجم المناسب في الوقت المناسب بالقدر المناسب والأسلوب المناسب ، والله وحده حكيم ، وحكمة البشر مُسْتنبطة من حكمة الله ، وحينما فتح النبي عليه الصلاة والسلام مكة ، فماذا قال أبو سفيان ؟ قال : بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك ، إنها كلمة لخَّصت صفات النبي صلى الله عليه وسلم الإنسانية من فم رجل كان بالأمس العدو الألد ..

يقول تعالى : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) البقرة: 269 ،( خَيْرًا كَثِيرًا ) إنما الخير الكثير أن تؤتى الحكمة ، لأنك بالحكمة تسعد ، وبالحكمة تُصلح الزوجة السيئة ، وبالحُمق تقسد الصالح ، وبالحكمة تجلب المال ، وبالحمق تُبدِّد المال ، وبعضهم قال : الحكمة ليست كسْبِيَّة ، فهي لا تُكتسب بل تؤتى ، وبعضهم قال : المؤمن حينما يستقيم على أمر الله ويُخلص له ، يُكافئه بالحكمة ..

قد تُحصِّل علماً كبيراً ولا تكون حكيماً ، أما الحكمة أن تستفيد من علمك ، وأن تجعل من عِلمك عِلماً عملياً ، والحكمة إصابة الحق ، والحق ما طابق الواقع ..

قال تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) لقمان: 12 ، الحكمة كلها أن تشكر الله ، فالله عزوجل أنعم علينا بنعم لا تُعد ولا تُحصى ، فالحكمة أن تشكر الله ..

والحكمة أن كل شيء بيد الله يؤتي الحكمة من يشاء أو يؤتي الضلال من يشاء ، فالكفار أعمالهم لا تحقِّق أهدافها ، ولا تصل إلى غاياتها ، فحركة الإنسان الكافر عشوائية ، فالحكمة أن تأتي أعمالك مُطابقة لأهدافك ..

والله يؤتي المال لمن يحب ولمن لا يحب ، فآتاه قارون وهو لا يُحبه ، وآتاه لعثمان بن عفان وهو يُحبه وجهَّز به جيش العُسرة ، لكن العلم والحكمة لا يُعطيهما إلا لمن يُحب ، قال تعالى : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) يوسف: 22 ، فالإنسان بالحكمة يسعد ، ومن دونها يشقى …

ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ أيها المؤمن كُن حكيماً ، من علامة الحكمة فيك أن لا تندم على فعل أو قول ، والندم يُرافق الحمق ، وعدم الحكمة ، وكُن في اتصال وإقبال مع الحكيم ، لأنه سيؤتيك الحكمة ، كُن مع الحكيم تغْدُ حكيماً ، كن مع العليم تغدُ عليماً ، وكم مع الرحيم تغدُ رحيماً ، واطلب من الله أن يؤتيك الحكمة ، والحقيقة أن الإنسان إذا افتقر إلى الله ألهمه الحكمة
( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )