Archive | March 2015

الحسيب

image

واحتي

الاسم الثاني والأربعون من أسماء الله الحسنى : الحسيب

سنراعي في كل اسم من أسماء الله الحسنى نقاط ثلاث :

1. تعريف الاسم

2. تطبيقاته العملية

3. علاقة المؤمن به

من معاني الحسيب المُكافيء ، ومن معانيه أيضاً الاكتفاء ، فلان حسيب فلان أي مُكافئه ومثيله ، وتقول أكرمني فلان وأحسبني أي كفاني وأعطاني فوق ما أريد ، وتقول حسبي الله ونعم الوكيل ، أي أن الله سبحانه وتعالى كافيني، فالعباد كلهم لو أطاعوا الله عزوجل كفاهم أمر دنياهم وآخرتهم  ..

فالمعنى الأول :المُكافيء ، والثاني: الكافي ، والثالث: المُحاسب ، من النّدّية والمثلية ، ومن الاكتفاء ، ومن الحساب ..

والحسيب : هو السيد الذي عليه الاعتماد ، وليس في الوجود حسيب سواه ، قد تعتمد على إنسان يحبك ، ولكنه ضعيف لا يستطيع أن يُنجيك مما أنت فيه ، وقد تعتمد على إنسان قوي ، ولكنه لا يُحبك ، وقد تعتمد على إنسان قوي ويُحبك ، ولكنك لا تصل إليه ..

أقوى قويّ في الدنيا لو اعتمدت عليه ربما توفاه الله وأنت بأمسّ الحاجة إليه ، وربما تغيرعليك فجأة بلا سبب ، وربما تنكر لك، لذلك من الشرك أن تعتمد على غير الله ، كلمة حسبي الله ونعم الوكيل أي أن الله يكفيني فهو القوي والغني والعليم والكريم والمجيب وكل شيء ..

إذا اعتمدت على الله كفاك وأغرقك بالنعيم ورفعك وأعزَّك ، فكلمة حسبي الله ونعم الوكيل من أفضل الأذكار التي كان يرددها الرسول صلى الله عليه وسلم ، إن رأى ما يحب قال : ( الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات )، وإذا رأى ما يكره قال 😦 الحمدلله على كل حال ) ، إذا لا جهة غير الله تُغني ، إما أن تكون مع الله فأنت المُكتفي ، وإما أن تبتعد فأنت في فقر دائم ..

المعنى الرابع للحسيب : هو الذي انتهى إليه كل شرف في الوجود ، فحين نقول فلان حسيبٌ نسيب أي مُشرَّف مُكرَّم ، فيكفيك شرفاً أن تنتسب إلى الله عزوجل، من هو الشريف حقيقة ؟؟ هو الذي لا يبخل ولا يكذب ولا يُنافق ولا يغتاب ، ولكن شرف الإنسان بطاعته لله ، وشرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزُّه استغناؤه عن الناس ، فاعلم أن شرفك بطاعة الله ، يقول تعالى : (قُل لِّعِبَادِيَ) إبراهيم:31 ، كلمة لعباديَ ، الياء منسوبة إلى الله عزوجل عن نِسبة تشريف وتكريم ، نسبك الله إليه وشرَّفك وكرَّمك..

وقيل : الحسيب الذي يُحاسب عباده على أعمالهم ، يُحاسب الطائعين فيُثيبهم على طاعته ، ويُحاسب العاصين فيُجازيهم على معصيته ، وهو حسيب على كل إنسان ، فالله هو المُحاسب ، وحسابه دقيق ، ويُحاسب على أدق التفاصيل فقد قال تعالى : (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ،وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة:7-8 ..

وإذا أيقنت أنه سيُحاسبك فلا بد أن تخاف منه ، وإذا خفت منه استقمت على أمره ، أقبلت عليه ، وإن أقبلت عليه سعِدَّت بقُربه ، وإذا سعدَّت بقُربه استغنيت عن الدنيا وما فيها بعد أداء الأسباب ، ومن عرف الله زهِد فيما سواه ..

إذا قلت : حسبي الله ونعم الوكيل، يكفيك مؤونة الدنيا والآخرة ، ويكفيك كُل الهم ، مهما ضاقت عليك السُّبُل ، ومهما أُحكِمت حولك الحلقات ..إذا رددت حسبي الله ونعم الوكيل فلسان حالك يقول ، صحتُك بيده ، وزوجتك بيده ، ومن فوقك بيده ، ومن تحتك بيده ، ورزقك بيده ، قرَّت عينك وارتاح قلبك ..

يقول تعالى : (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) النساء: 6 ، هو الذي إذا رُفِعت إليه حوائج قضاها وإذا حكم بقضية أمضاها ، يعُدُّ عليك أنفاسك ويصرف بفضله عنك بأسك ..

مهما اجتمع الناس على أن يضروك ، وعلى أن يوقعوا بك الألم ، فقل : حسبي الله ونعم الوكيل ، أنت أقوى منهم بالله ، يكفينا شرفاً هذه الآية : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال:64 ، فكلمة حسبي الله ونعم الوكيل تُقال عند كل هم وحزن ،  وإذا علم العبد أن الله يكفيه لم يرفع حوائجه إلا إليه ، فسبحانه سريع الإجابة لمن اتجه إليه ، وتوكل عليه ، وإذا كانت حاجتك في حق الله خيراً محْضاً كطلب الهداية والاستقامة والرزق الحلال يُجاب فوراً لأنه في حق الله ، وأما إذا طلبت الدنيا فهناك وضعٌ آخر لعلها لا تنفعك ، وقد تؤذيك فلذلك قد يُجيبك وقد لا يُجيبك ..

عندما يؤمن الإنسان أن الله حسيبه يُصبح لديه دقة في معاملاته ، واعلم أن حساب الله في الدنيا حساب تربوي ، أما في الآخرة حساب جزائي ، فمشاعر رد التحية مثلاً يعلمها الحسيب وحده ، هل هي تحية إسلامية أم أنها صدرت عن كِبر أو تواضع أو كراهية ، مثل الإبتسامة هل خلفها غدر، أم حب ، أم كراهية ، النيات لا يعلمها إلا الحسيب ، فيجب أن تُحاسِب نفسك في الدنيا قبل أن تُحاسَب ، حتى على مستوى الدُريهمات ، هل هي حلال أم حرام ؟؟ ، فإذا ربيت أولادك فاكفِهم ، وإن أعطيت زكاة مالك فاعط الفقير حتى يكتفي ، واعط عطاءً جزيلاً ، ثم انتظر العطايا ممن لا يخيب من دعاه ..

    ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

الخافض الرافع

image

واحتي

الاسم الثالث والأربعون من أسماء الله الحسنى : الخافض-الرافع

سنراعي في كل اسم من أسماء الله الحسنى نقاط ثلاث :

1. تعريف الاسم

2. تطبيقاته العملية

3. علاقة المؤمن به

الخفض في اللغة ضد الرفع ، والخفض : الإنكسار واللين ، لقوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء:24، والانخفاض : الانحطاط ، وتوصف به الواقعة ، لقوله تعالى : (خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ) الواقعة:3 ، وقال الله عزوجل للنبي صلى الله عليه وسلم : (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الحجر:88 ، فإذا كنت مؤمناً حقاً فيجب أن تُحب كل مؤمن على وجه الأرض ومن أي جهة كان ..

الناس يتمايزون بمقاييس أرضية ، مقاييس المال ، القوة ، الذكاء ، الوجاهة ، وغيرها من الأمور ، فإذا وقعت الواقعة ، تبدَّلت هذه المقاييس ، يُقاس الإنسان بعد الموت بقدر استقامته وطاعته لله وإحسانه للخلق ، فالواقعة تخفض أقواماً بمعاصيهم فيصيرون إلى النار ، وترفع أقواماً بطاعاتهم فيدخلون الجنة ..

والخافض هو الذي يخفض الجبّارين والفراعنة أي يُهينهم ، ويخفض ما يستحق أن يخفضه ، والإنسان بين أن يرتفع وبين أن ينخفض ، ولكن إن ارتفع بالحق يدخل على قلبه من السرور مالا يوصف ..

والوضوح يرفع الإنسان ، إذا ظهر صدقه ارتفع ، وإذا ظهر كذبه انخفض ، قد تكون فقيراً لكنك تقي مرفوع الرأس ، حياتك الخارجية مثل حياتك الداخلية ، علانيتك تُماثل خلوتك ، فنحن المسلمين لو أننا أيقنا أن رفعتنا بطاعة الله وباستقامتنا لاستقمنا في حياتنا ..

وأي خيانة منذ خلق الله آدم وإلى يوم القيامة لابُدَّ أن تُفتضح والدليل قوله تعالى : (وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) يوسف: 52 ، والخائن حين يُفتضح ، لا يُفتضح بذكاء البشر بل بتقدير خالق البشر ، لا تفعل شيئاً تستحي منه، ولا تفعل شيئاً تضطر إلى أن تعتذر منه ..

الإنسان حينما يتسرَّع ، ويمشي بلا منهج ولا أحكام شرعية يقع في شرعمله يتردى وينخفض هواناً والله هو الذي يخفضه ، ونفسك البشرية مخلوقة لمنهج الله ، ومخلوقة لتكون على مستوى الشرع ، فإذا حدَّت تعثرت نفسك شعرت بالكآبة والضيق ..

الخافض الذي يخفض بالإذلال من تعاظم وتكبر ، لأن صفة المؤمن الأساسية التواضع ، فذرَّة كِبر واحدة تتناقض مع العبودية ، ترى المؤمن عزيزاً إلى أقصى درجة ، ولكنه أمام الله ذليل ويُبالغ في التذلل أمام ربه ، فبقدر ما هو متواضع ومتذلل بينه وبين الله ، يكون بينه وبين الخلق عزيز النفس ..

والخافض لمن عصاه ، والمُذِّل لمن غضب عليه ، يخفض الكفار بالإشقاء ، ويخفض أعداءه بالإبعاد ، قالها قارون فدمَّره الله عزوجل ، وخسف به  ، يخفض كل خارج عن شريعته مهما كان غنيا بالمال ، أو عزيزاً بين الرجال ..

ما حظك من هذا الاسم ؟؟ من أراد أن ينال حظاً من اسم الخافض فعليه أن يخفض نفسه قبل أن يخفِضه الله ، تواضع قبل أن يضعك الله ، فالتواضع عبادة والتكبر نقيضها ، كلما تواضعت رفعك الله ، وهذه علاقة عكسية ، كلما تكبرت خفضك الله ..

ولا أعتقد أن على وجه الأرض إنساناً أشد تواضعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أنني لا أعتقد أن هناك من أعزه الله ورُفِع ذكره وشأنه كرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) الشرح:4 ، فإذا ذُكر الله في الأذان ، ذُكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، أخفِض إبليس بعدم الإصغاء لوسوساته ، ولا تُعظِّم أهل المعصية في قلبك وادع لهم بالهداية والصلاح ..

اسم الرافع : ترفع أي تعلو ، ولها معنى آخر وهي الإطالة لقوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)البقرة: 127 ومعنى رفعة الشأن لقوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) ..

والرافع هو الذي يرفع الأولياء وينصرهم على الأعداء ، ويرفع الحق بإظهاره ، ويرفع المؤمنين بالإسعاد ، فعندما يستقيم الإنسان ويُخلص لله تُصبح له مكانة في المجتمع تفوق مرتبته العلمية ، فالعلماء قديماً كان أحدهم نجاراً والآخر قصاباً ورفعهم الله عزوجل لخشيتهم منه سبحانه ..

والرافع رفع مقام الصالحين بخضوع القلوب لهم بالمودة والرحمة ، فبإخلاصه لله وإقباله عليه واستقامته على أمره يخلق الله له المودة في قلوب الآخرين ، قال تعالى : ( وألقيت عليك محبة …. ) أي أحبك الخلق بحُبي لك ، فالله تعالى هو الرافع  ، كم من مُستضعف علا شأنه ، وتألًّق نجمه لطاعته لربه كما أراد سبحانه ..

ما حظك من هذا الاسم أيها المؤمن ؟؟فإذا رفعك الله تعالى فيجب عليك أن تشكره على هذه الرفعة وتوظفها في طاعة الله ، وكل مؤمن يقتدي برسول الله ويتبع سنته ينال رفعة الشأن ..

       ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

الخافض الرافع

image

واحتي

الاسم الثالث والأربعون من أسماء الله الحسنى : الخافض-الرافع

سنراعي في كل اسم من أسماء الله الحسنى نقاط ثلاث :

1. تعريف الاسم

2. تطبيقاته العملية

3. علاقة المؤمن به

الخفض في اللغة ضد الرفع ، والخفض : الإنكسار واللين ، لقوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء:24، والانخفاض : الانحطاط ، وتوصف به الواقعة ، لقوله تعالى : (خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ) الواقعة:3 ، وقال الله عزوجل للنبي صلى الله عليه وسلم : (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الحجر:88 ، فإذا كنت مؤمناً حقاً فيجب أن تُحب كل مؤمن على وجه الأرض ومن أي جهة كان ..

الناس يتمايزون بمقاييس أرضية ، مقاييس المال ، القوة ، الذكاء ، الوجاهة ، وغيرها من الأمور ، فإذا وقعت الواقعة ، تبدَّلت هذه المقاييس ، يُقاس الإنسان بعد الموت بقدر استقامته وطاعته لله وإحسانه للخلق ، فالواقعة تخفض أقواماً بمعاصيهم فيصيرون إلى النار ، وترفع أقواماً بطاعاتهم فيدخلون الجنة ..

والخافض هو الذي يخفض الجبّارين والفراعنة أي يُهينهم ، ويخفض ما يستحق أن يخفضه ، والإنسان بين أن يرتفع وبين أن ينخفض ، ولكن إن ارتفع بالحق يدخل على قلبه من السرور مالا يوصف ..

والوضوح يرفع الإنسان ، إذا ظهر صدقه ارتفع ، وإذا ظهر كذبه انخفض ، قد تكون فقيراً لكنك تقي مرفوع الرأس ، حياتك الخارجية مثل حياتك الداخلية ، علانيتك تُماثل خلوتك ، فنحن المسلمين لو أننا أيقنا أن رفعتنا بطاعة الله وباستقامتنا لاستقمنا في حياتنا ..

وأي خيانة منذ خلق الله آدم وإلى يوم القيامة لابُدَّ أن تُفتضح والدليل قوله تعالى : (وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) يوسف: 52 ، والخائن حين يُفتضح ، لا يُفتضح بذكاء البشر بل بتقدير خالق البشر ، لا تفعل شيئاً تستحي منه، ولا تفعل شيئاً تضطر إلى أن تعتذر منه ..

الإنسان حينما يتسرَّع ، ويمشي بلا منهج ولا أحكام شرعية يقع في شرعمله يتردى وينخفض هواناً والله هو الذي يخفضه ، ونفسك البشرية مخلوقة لمنهج الله ، ومخلوقة لتكون على مستوى الشرع ، فإذا حدَّت تعثرت نفسك شعرت بالكآبة والضيق ..

الخافض الذي يخفض بالإذلال من تعاظم وتكبر ، لأن صفة المؤمن الأساسية التواضع ، فذرَّة كِبر واحدة تتناقض مع العبودية ، ترى المؤمن عزيزاً إلى أقصى درجة ، ولكنه أمام الله ذليل ويُبالغ في التذلل أمام ربه ، فبقدر ما هو متواضع ومتذلل بينه وبين الله ، يكون بينه وبين الخلق عزيز النفس ..

والخافض لمن عصاه ، والمُذِّل لمن غضب عليه ، يخفض الكفار بالإشقاء ، ويخفض أعداءه بالإبعاد ، قالها قارون فدمَّره الله عزوجل ، وخسف به  ، يخفض كل خارج عن شريعته مهما كان غنيا بالمال ، أو عزيزاً بين الرجال ..

ما حظك من هذا الاسم ؟؟ من أراد أن ينال حظاً من اسم الخافض فعليه أن يخفض نفسه قبل أن يخفِضه الله ، تواضع قبل أن يضعك الله ، فالتواضع عبادة والتكبر نقيضها ، كلما تواضعت رفعك الله ، وهذه علاقة عكسية ، كلما تكبرت خفضك الله ..

ولا أعتقد أن على وجه الأرض إنساناً أشد تواضعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أنني لا أعتقد أن هناك من أعزه الله ورُفِع ذكره وشأنه كرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) الشرح:4 ، فإذا ذُكر الله في الأذان ، ذُكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، أخفِض إبليس بعدم الإصغاء لوسوساته ، ولا تُعظِّم أهل المعصية في قلبك وادع لهم بالهداية والصلاح ..

اسم الرافع : ترفع أي تعلو ، ولها معنى آخر وهي الإطالة لقوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)البقرة: 127 ومعنى رفعة الشأن لقوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) ..

والرافع هو الذي يرفع الأولياء وينصرهم على الأعداء ، ويرفع الحق بإظهاره ، ويرفع المؤمنين بالإسعاد ، فعندما يستقيم الإنسان ويُخلص لله تُصبح له مكانة في المجتمع تفوق مرتبته العلمية ، فالعلماء قديماً كان أحدهم نجاراً والآخر قصاباً ورفعهم الله عزوجل لخشيتهم منه سبحانه ..

والرافع رفع مقام الصالحين بخضوع القلوب لهم بالمودة والرحمة ، فبإخلاصه لله وإقباله عليه واستقامته على أمره يخلق الله له المودة في قلوب الآخرين ، قال تعالى : ( وألقيت عليك محبة …. ) أي أحبك الخلق بحُبي لك ، فالله تعالى هو الرافع  ، كم من مُستضعف علا شأنه ، وتألًّق نجمه لطاعته لربه كما أراد سبحانه ..

ما حظك من هذا الاسم أيها المؤمن ؟؟فإذا رفعك الله تعالى فيجب عليك أن تشكره على هذه الرفعة وتوظفها في طاعة الله ، وكل مؤمن يقتدي برسول الله ويتبع سنته ينال رفعة الشأن ..

       ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

الرقيب

image

واحتي (45)

الاسم الثاني والأربعون من أسماء الله الحسنى : الرقيب

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.     علاقة المؤمن به

الرقيب في اللغة بمعنى المُنتظِر ، لقوله تعالى : (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ) هود: 93 ، ( فارتقبوا ) أي انتظروا فالرقيب هو المنُتظر ، ورقيب القوم هو الحارس الذي يشرف على مراقبة العدو ، ورقيب الجيش طليعته ، والرقيب هو الله الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء ، فإذا أيقنت أن الله يعلم حُلَّت كل مُشكلتك ..

عن أبي بكر الصديق ‏- رضي الله عنه – قال : (‏ ‏أرقبوا ‏ ‏محمدا – صلى الله عليه وسلم – ‏‏في أهل بيته) رواه البخاري،أي راقبوا وانتبهوا أن تؤذوه في آل بيته ، والرقيب كذلك هو الخَلَف يُقال : نعم الرقيب أنت لأبيك ، والترقب أي الانتظار ، وارتَقَبه : رصده ، بحفظه وراعيته ، وهو العليم وراقبْتَ الله إذا علمت أنه مُطلّع عليك فراعيْت حقه .. 

والمراقبة هي التي تجعل الإنسان يقظاً وعلى حذر ، فحين تعلم أن مخالفة السرعة المرورية لها غرامة عالية ، وأن المدير يضع كاميرات في كل إدارته ليرى جودة وعمل الموظفين لا بد أن تنْضبِط فشعورك أنك مراقب ولو من جهة أرضية ستنْضبط فكيف إذا أيقنت أن الله عزوجل هو الرقيب ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) النساء: 1 ، شعور الرقيب يُشعرك أن الله معك دائماً ..

الله هو الرقيب أي أن الله هو الذي يعلم أحوال العباد ويعُدّ أنفاسهم ، والله الذي لا إله إلا هو ، وأنت مُستلق على فراشك لو خطر لك خاطر أن غداً سأفعل كذا ، يجب أن تعلم وأن تعتقد اعتقاداً جازماً قطعياً ، أن هذا الخاطر اطَّلع الله عليه ، ولا يستطيع من العباد أيَّا كان أن يفعل ذلك ، فالله يستر لك أفكارك وأحوالك عن الناس لكن الله هو الرقيب عليها والعالم بها ..

فهذا الاسم من أقرب الأسماء إليك ، لأنك لو اعتقدت أن الله هو الرقيب ستستقيم على أمره ويكون سبب سعادتك الأبدية ، آمنت أنه يراقبك فاستحييت منه ، ولزِمْت أمره فسعِدت في الدنيا والآخرة ، فقد يكون اسم الرقيب وحده وأثره الإيجابي فيك سبب سعادة الدارين ..

الرقيب في حق الله ، هو الذي يعلم أحوال الناس ويعد أنفاسهم وقيل : الحفيظ الذي لا يغفل والحاضر الذي لايغيب ، اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك هذا مقام الإحسان ، فاسم الرقيب يرفعك إلى مقام الإحسان ، وكلما ارتقى مقام الإنسان دخل في حال المراقبة مع الله عزوجل ، فهو الحفيظ الذي لا يغفل ، والحاضر الذي لا يغيب ..

تستطيع أن تُخفي عن البشر ألف شيء وشيء ، تُخفي عنهم ألف فكرة وألف قضية ، تبقى صامتاً ولا يعلم أحد شيئاً عنك أحياناً ، لكن تكلمك وصمتك عند الله سواء ، بوحك وكتمانك عند الله سيَّان ، إعلانك وإخفاؤك عند الله سواء لأنه رقيب ..

وقيل الرقيب ، هو الذي يرى أحوال العباد ويعلم أقوالهم ، وهو الذي يراقب عباده ويُحصي أعمالهم ويُحيط بمكنونات سرائرهم ولا يغيب عنه شيء ..

والرقيب هم المُطّلع على الضمائر والشاهد على السرائر ، والرقيب يعلم ويرى ، ولا يخف عليه السر والنجوى ، والرقيب هو الحاضر الذي لا يغيب ، بل رقابته قديمة مستمرة ..

العلماء يرون أن المراقبة حال يصير العبد فيه ذاكراً الله بقلبه ، إن شُغل لسانه ، لأن الله مُطلّع عليه دائماً ، وشعور العبد أن الله مُطلّعٌ عليه سمو وارتقاء إلى الله ، فلتكُن أيها القارئ الكريم من أهل المراقبة ..

ما حظ المؤمن من هذا الاسم ؟ مراقبة العبد لنفسه أساسها أن يعلم أن الله مطلع على نياته وقلبه ودخائل نفسه ، وأن يستحضر من مراقبة الله له أن الله تعالى معه دائماً ، ويُراقبه في كل أحواله وحركاته ، وهذه المراقبة مفتاح كل خير ، لأن العبد إذا أيقن ذلك خاف عقاب الله وهابه في كل مجال ..

ومن أدب المؤمن مع اسم الرقيب أن يعلم أن الله رقيبه وشاهده في كل شيء ، ويعلم أن نفسه عدوة له ، والشيطان مُتربص له فيأخذ حِذره منهم ، وأن يجعل عمله خالصاً لربه ، فإذا وصلت الله أوصلك إلى الجنة ، وسعدت في الدنيا والآخرة ..

      ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )