الضار النافع

image

واحتي (44)

الاسم الحادي والأربعون من أسماء الله الحسنى : الضار ، النافع

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.     علاقة المؤمن به

هناك توجيه لبعض العلماء وهو أن تبقى هذه الأسماء مزدوجة وأن تُدرَّس معا ، فما ضرَّهُ إلا لينفعه ، لو كُشف الغطاء لهذا الإنسان الذي ساق الله له الشدائد ما ساق لذاب كما تذوب الشمعة حُباً في الله عزوجل ، والمؤمن الصادق يعتقد اعتقاداً راسخاً أن كُلَّ شِدَّة وراءها شَدَّة إلى الله ، وأن كُل مِحنة  وراءها مِنْحة وأن كُلَّ شيء وقع أراده الله ..

يقول علماء اللغة : ( إن الضُّر ضد النفع ) ، والله جل جلاله هو الضار ، لكن ينبغي ألا يغيب عن ذهنك كيف يكون ذلك ، فمثلاً الأب الطبيب الجرَّاح يُمسك بالمبضع ويفتح بطن ابنه ليُخرج الزائدة الدودية ، أب طبيب قلبه مفعم بالرحمة وممُتليء عقله بالعلم ، يفعل ذلك لصالح ابنه ، فلا يُمكن أن نفهم الضر من الله إلا هكذا ..

فالله سبحانه يُفقِر وقد يكون الإفقار هو عيْن العطاء ، والله سبحانه يُمْرِض وقد يكون في المرض الصحة النفسية التامة ، والله سبحانه يُخيف وقد يكون في الخوف الإلتجاء إلى الله تعالى ..

والمصائب أنواع : هناك مُصيبة قصم ، ومصيبة ردْع ، ومصيبة دفْع ، ومصيبة رفْع ، ومصيبة كشف ، الأنبياء إذا ساق لهم الله المصائب فلِكشف حقائقهم ، والمؤمنون إذا ساق لهم مصائبهم فلرفع درجاتهم ولِدفعهم إلى بابه ، أما الكفار فالمصائب ردعاً وقصماً لحياتهم ..

فالإنسان إذا توهم أن الله يسوق الشدائد تشَفِّياً فقد تنكب سبيل الإيمان وساء ظنه بالله ، ولا تعتقد أن أحداً في الكون بإمكانه أن ينفعك أو أن يضرك ، الله هو الضار النافع ..

والإنسان عندما يستقيم على منهج الله يهديه الله سُبُل السلام ، فسبحانه لا يُرضيه أن يُعذبك ، تصور حالة الأب ، له ابن يحبه حُباً لا يوصف ، وسرق هذا الإبن ، هذا الأب العاقل ألا يجد نفسه مضطراً إلى أن يؤدب ابنه ؟ ولكنه الأب يتألم عشرة أضعاف آلام ابنه ، فهو يوقع عقابه رحمةً به ، ولله المثل الأعلى فالله عزوجل لا يُرضيه أن يُذِلَّك ، ولا يُرضيه أن يُفقرك ، ولا يُرضيه أن يحبس حُريتك ، لأن الله ( حيِي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين ) رواه أبو داود والترمذي.. ولكن الله لحكمة بالغة لا بُد أن يسوق لعبده بعض الشدائد ، وكلما كان الإنحراف أشد كانت الضربة قاسية..

يقول تعالى : (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ) النساء:78 ، النفع من الله ، والضر من الله ، لكن هناك سؤال جديد فقد علمنا أن الفاعل هو الله ، لكن سبب الضُّر ممن ؟؟ فيجب أن تنسب الضر لنفسك ، والنفع إلى الله وحده ، والدليل قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) الشعراء : 78-82 ، قال (وَإِذَا مَرِضْتُ ) ولم يقل وإذا أمرضني ، لأن أصل المرض خروج عن منهج الله ..

والآية الكريمة : (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) النساء: 79 ، فالحسنة من الله فعلاً ومن الله تفضلاً ، والسيئة من الله فعلاً ومن العبد سبباً ..

يقول الإمام الرازي : إن الضار النافع وصفان ، إما أن يُعتبرا في أحوال الدنيا ، أو في أحوال الدين ، أما الأول فهو أن الله مُغن هذا ، ومُفقر ذاك ومُعط الصحة لهذا والمرض لذاك ، وأما في أحوال الدين فهو يهدي هذا إذا شاء الهداية ، ويُضل ذاك إذا أصرَّ على الضلال ، تطلب الهدى فيهديك ، وتطلب الضلال فيُضلك ..

قال تعالى : (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ  ) يونس: 49 ، فالنافع هو الله ، والضار هو الله ، وأن الله غني عن تعذيب العباد ، إلا أنه يسوق لهم من الشدائد ما يحملهم على التوبة ..

فما حظ المؤمن من هذا الاسم ؟ المؤمن يجب أن يكون نافعاً لعباد الله ، وألا يرجو أحد ، وألا يخشى أحد ، وأن يكون اعتماده على الله الأحد ..

      ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

 

Leave a comment