الرحمن الرحيم

image

الاسم التاسع والعشرون من أسماء الله الحسنى : الرحمن الرحيم

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.     علاقة المؤمن به

الرحمن الرحيم كما يقول أحد العلماء : ( اسمان مشتقان من الرحمة ) ، والرحمة تستدعي المرحوم ولا مرحوم إلا وهو مُحتاج ، الإله لا يكون مرحوماً هو راحم ، أما المخلوق فهو مرحوم لأنه ضعيف ولأنه عاجز ، والحقيقة أن الرحمة التي نراها في الكون ما هي إلا تجسيد لاسم الرحمن ، و من عناصر الرحمة أن فاعلها يُريد الرحمة ، فلست رحيماً إلا إذا أردت وفعلت  ..

هناك رحمةٌ عامة ، وهناك رحمةٌ تامة ، الرحمة التامة ما توافرت فيها الإرادة والعمل ، أما الرحمة العامة ما أصابت المُستحق وغير المُستحق ..

مثال : أن تأكل الطعام ، وتسكن في منزل مريح ، وتكون لك زوجة، ودخلٌ وافر ، تتنفس الهواء ، تشرب الماء ، هذه رحمة عامة فالله يؤتي الدنيا لمن يحب ومن لا يُحب ، أما أن يوفقك الله للطاعة ،ويقذف في قلبك نوراً وهدايةً ، فترى به الخير خيراً والشرَّ شراً ، يُعلِّمك الله ويُلهِمُك سواء السبيل فهي رحمة خاصة ..

قد يُعطيك الله المال ويجعل قلبك ممتلئاً بالقلق ، قد يعطيك الصحة وتكون أشقى الناس ، لكن اسمع حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ بن جبل : ( يا معاذ ! والله إني لأحبك ) رواه أحمد ، هذا عطاء ثمين أن يحبك سيد الخلق فهنيئاً لك ..

فالشيء الذي يجب أن تسعى إليه هو رحمته الخاصة ، بأن يُعلِّمك ، يرزُقك طيباً ، ويُلهمك الحكمة ، أن تضع الشيء المناسب بالقدر المناسب في المكان المناسب مع الشخص المناسب ، قال تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا )البقرة : 269  ، إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر فيما استعملك ، انظر عملك ، هل أساسه الرحمة بالناس أم الإضراربهم ، أساسه العطاء أم الأخذ ..

إذا الرحمة الخاصة مشروطة بالطاعة والمُجاهدة وبذل المال ومعاونة الضعيف وغض البصر ، والذكر والتلاوة هذه قنوات تصِلُك من خلالها الرحمة الخاصة وتشعر أنك إنسان مُتميز ، لك عند الله مكانة ، فرحمة الله الخاصة تحتاج إلى مُجاهدة لذلك قال إبراهيم بن عيلة : ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) جهاد النفس والهوى ..

الله عزوجل يرحم لمصلحة المخلوق لا لمصلحة الراحم ، نقطة مهمة يعني الله سبحانه وتعالى مُنزَّه عن كل المشاعر التي تعتري الإنسان الرحيم الذي يشعر بالشفقة على المسكين ويتمزق قلبه لرؤية الكبير الضعيف ، يا تُرى رب العالمين ، هل تعتريه هذه المشاعر ، لا !! لأنه إله ، لكنه يرحم كل خلقه ، ومُنزَّه عن المشاعر التي تعتري مشاعر الرحيم من بني البشر ..

ما الفرق بين كلمة الرحمن والرحيم ، قال بعض العلماء : الرحمن في ذاته ، والرحيم في أفعاله ، وبعضهم قال : الرحمن في الدنيا والآخرة ،قال تعالى : (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) مريم: 45 ، هذه الزلازل والمجاعات والحروب والفقر والقهر يحتار في أمرها المرء مصدرها من الرحمن ، الحرمان مؤلم ، والقهر مؤلم ، والفقر مؤلم ، أما إذا كان هذا الحرمان سبباً لعطاء مديد ، إذا كان هذا الإضرار سبباً لنفع طويل ، لذلك إذا رأيت شيئاً مؤذياً فاعلم أن الله سبحانه يُضر لينفع ، ويأخذ ليُعطي ، ويبتلي ليَجزي ..

الله رحيمٌ ورحمن ، رحيم يُمتعك بالصحة ، يمنحُك المال ، يبُث فيك الراحة النفسية ، لكنه رحمن ينظر إلى آخرتك فيأخذ بيدك للعمل الصالح ، وينظر إلى هذه الحياة الأبدية لتسعد بها التي سوف تحياها ، ولمصلحة هذه الحياة الأبدية ربما يُذهب كُل مالك ، يصرف عنك الدنيا كلها ، والله يعلم أنتم لا تعلمون ..

الله عزوجل إذا أراد أن يُداوي مخلوقاً يعلم كيف يُداويه ومن أي زاوية أراد أن يُداويه ، من المكان الصعب ، من حيث هو مطمئن ، فلا تتكِل على علمك ، وعلى خبرتك ، اتكل على الله  ..

يجب ألا تبرح هذه الآية أذهانكم ، قال تعالى : (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ) النساء: 147 ، فالله غني لماذا يُفقرك ؟ لماذاً يُضيق عليك ؟ إلا حُباً بك ورحمة بك ودفعاً بك إلى باب عبوديته ..

مستحيل أن تكون مصيبة بالأرض بلا سبب ، أو بلا خير ضمني ، أو بلا هدف ، وإن شككت فاتَّهم بذلك عقلك القاصر ، وقُل أنا فهمي محدود ، قال تعالى : (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران: 26 ، بيدك الخير : لم يقُل والشر ، الإعزاز خير ، الإذلال خير ، إيتاء المُلك خير ، سلب المُلك خير .. كله خير من الرحمن الرحيم ..

ادعو الله عزوجل أن يرحمك في الدنيا والآخرة ، وأن يؤتيك في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ..

                         ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

Leave a comment