Archive | December 2014

الله

image

ومن أسماء الله الحسنى : الله

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.     علاقة المؤمن به

قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) محمد: 19 ، هذه الكلمة هي كلمة التوحيد ، فالإسلام كله ، والإيمان كله ، والإحسان كله  جُمِع في هذه الكلمة ، ( الله ) هي شعار الإسلام والدين أساسه قائم على هذه الكلمة ..

( لا إله إلا الله ) فحوى رسالات الأنبياء جميعاً ، نُردِدُها كل يوم عشرات المرَّات ، بل مئات المرات ، وما عرفنا حقيقتها ! ولو عرفنا حقيقتها لكُنَّا في حال آخر غير هذا الحال ..

أولاً نقف عند المعنى اللغوي ، الله عَلَمٌ على الذات الكاملة ، عَلَمٌ على الخالق ، عَلَمٌ على البارئ ، أسماء الله الحُسنى جُمعت في ( الله ) ، في المعجم : أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وأُلوهةً وأُلوهِيَةً ، يعني عبد عبادة ، والعبادة هي الحُب مع غاية الطاعة ..

ويقول العلماء : ( لا معبود بحق إلا الله ) هو الذي يستحق العبادة وحده ، لا رازق ولا مُعْطي ولا مُعز ولا مُذل ولا رافع ولا خافض إلا الله ، فكُلُّ الأسماء الحُسنى إذا جُمِعت هي الله ..

المعنى الثاني : أَلِهَ أي تحيَّر ، الإنسان يتحيَّر بمن ؟ بالصغير أم بالكبير ؟ بالغني أم بالفقير ؟ فالتحيُّر من معاني العظمة تَحار فيه الألباب ، تَحار فيه العقول والنفوس ، فلماذا هو معبود ؟ لأنه رازق ، ولأنه قوي ومحيي ومُميت ….. الخ ، لذلك تَحار فيه العقول ، فلا نهاي لجبروته ولا لجماله ولا لرحمته ، منتهى النهايات هو الله  ..

المعنى الثالث : أَلِهَ أي لجأ إليه ، يعني : لا ملجأ لك أيها الإنسان إلا الله ، فحين نقول ( لا إله ) تنفي أن يكون في الكون إله غير الله عزوجل .. فالله عزوجل لم يأمُرك أن تعبده إلا بعد أن طمْأنك إلى أن الأمر كله عائد إليه ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة : 21 ..

المعنى الرابع : ( لا إله ) للرغبة إلا الله ، إذا رغبت فالله وحده هو الذي يجب أن ترغب فيه ، ( لا إله ) للرهبة إلا الله ، وإذا خفت فينبغي ألا تخاف إلا من الله ، فحالة التوحيد مع المؤمن حالة مريحة وهي الصحة النفسية ، وخِلاف التوحيد حالة مرَضيَّة ، فالمعبود فقط وبحق هو الله ، هل يستحق العبادة إنسان ؟ الإنسان سيموت ومآله للعدم فهو لا يستحق العبادة ..

فلو عرفت ( لا إله إلا الله ) بحق ، فلن تحتاج إلى آلهة الأرض ، فالإنسان كله بيد الله ، هناك شخص توحيده ضعيف في حياته ، أشخاص كثيرون لهم تأثيرعليه ، سعى إلى إرضائهم وخاف من غضبهم وعلَّق عليهم الآمال استحقوا في نظره الطاعة والعبادة والخضوع  فهذا هو الشرك، أن تتخلص مما سِوى الله عزوجل مُطلقاً ، لا حُباً ولا كراهية ولا خوفاً ولا طمعاً إلا ما أمر به الله عزوجل في كتابه  ..

وإني أدعوك أن تلاحظ الناس ، فحينما يقع أحدهم في مأزق ، أو يُعاني من مرضٍ عضال ، أو يتعرض لمشكلة كبيرة ، ينسى كُل الشركاء ويتجه إلى الله وحده ، وقد قال العلماء : ( فرعون ما عرف الله قبل المحنة ، لذلك ما نفعته عند المِحنة ، سيدنا يونس عرف الله قبل المحنة فلما جاءت المحنة نفعته هذه الكلمة ) ..

سيدنا يونس قال : ( لا إله إلا أنت سبحانك ) بكلمة أنت يخاطبه كأنه يرى الله معه ، أما فرعون فماذا قال : (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس: 90  كأنه سمِع أنه يوجد إله لموسى بيده كل شيء ، فضمير الغائب دليل على أنه غير مُتحقق ، ما قالها تعبُداً قالها تخلُّصاً ، اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة ..

هذه الآية وردت عشرات المرات أو أقل : (اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) الأعراف : 73 ، فصار ديننا أن تؤمن أنه لا إله إلا الله وأن تعبده ..

وعن عبدالله بن كَريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) ، لا إله إلا الله حِصنٌ من دخلها أمِن من عذاب الله ..

فإذا الإنسان قام بجمع الآيات القرآنية التي في التوحيد وحفِظَها وفهِمَها ، فهذا كنزٌ قرآني كبير يبُثُّ في المرء الاطمئنان ، ويدرأ عنه أسباب الخوف ، لكن متى يعصي الإنسان ربه ؟ إذا رأيت شيئاً دون رضاه هو أثمن من رضاه ..

فإيماننا يزداد بكلمة ( لا إله إلا الله ) عن طريق التفكر في الكون أولاً ، وتدبُّر آيات الله ثانياً ، والنظر في أفعال الله  ثالثاً ..

      ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

البديع

image

ومن أسماء الله الحسنى : البديع

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.     علاقة المؤمن به

قال تعالى : (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) البقرة: 117 ، الإبداع : أن تصنع شيئاً على غير مثالٍ سابق ، ودون أن تتلقى من أحدٍ معلومة ما ، وإذا أردنا ان نبحث فيما يصنعه الإنسان فإنه من حيث يشعر أو لا يشعر فهو تقليد لشيء ، ففي إحدى الموسوعات عن الطيور كتب المؤلف : ( إنَّ أرقى طائرة صنعت حتى اليوم لا ترقى إلى مستوى الطائر ….) فالطائرة تقليد للطائر ، والغواصة تقليد للسمكة ..

وأي شيء صنعه الإنسان تقليد لشئ أبدعه الله ، لكن الله سبحانه خلق الكون على غير مثال سابق، فمن قال أن الأرض ينبغي أن تكون كروية ؟ ومن قال إن الأرض ينبغي أن تدور حول نفسها ؟ ومن أعطى الهواء صفاته وخصائصه ؟ ومن جعل الشمس منبع الحرارة ؟ وجوه البشر ؟؟ هل في الأرض وجه مشابه لوجه إنسان آخر منذ خلق الله البشرية ؟ والشيء الثابت الآن ان لكل إنسان رائحة خاصة ، وهذه الرائحة أساس معرفة الكلاب البوليسية للمجرم ، كل إنسان له بصمته الخاصة ، إنه إبداع لا حدود له ..

أنواع الأسماك وأي شكل يخطر في بالك موجود ، فتنوع الأسماك شيء لا ينتهي ، وتقف عند الطيور أشكالها وأصنافها وسلالاتها شيء يأخذ بالألباب ، الحشرات ليس هناك حشرة مثل أختها ، ولا فراشة مثل أختها تنوع في الخلق لا يصدقه عقل ، وهذا معنى قول الله تعالى : (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)  أوراق الأشجار وأنواعها ، وأنواع الأخشاب والنباتات والروائح ، وذرات الثلج ، كُل ذرّة لها شكل خاص ، أليس هذا من فعل بديع السموات والأرض ؟

إنه إبداع لا حدود له ، أما الإنسان لو أراد مثلاً أن يرسم وجهاً ، فلو كلَّفنا رسَّاماً أن يرسم وجهاً يرسم وجه اثنين … ثلاثة مختلفة بعضها عن بعض ، وبعد ذلك ينضب الإبداع من ذهنه ، وتأتي رسوماته متشابهة ..

الله سبحانه وتعالى بديع السموات والأرض ، هو الذي خلق السموات والأرض على غير صورة سابقة ودون أن يعلمه أحد ، ابتدع ذوات الأشياء وصفات الأشياء وخصائص الأشياء ، وابتدع أحجامها وألوانها وحركتها وسكونها ، فيجب أن تعلم أن الله سبحانه واحدٌ في ذاته ..

ومعنى البديع : يعني الذي لا مثيل له ، والذي لا مُشابه له ، وليس كمثلِه شيء ، والإنسان مُكرم عند الله عزوجل ، ومن علامات تكريمه أنه خلقهُ فرداً لا مُشابه له ..

إذاً من فعل فعلاً لم يُسبق إليه قيل له : أبدع ، وسُمِّيت البِدعة بدعة لأنها لا أصل لها في الدين ، ولنقف وقفة متأنية عند البِدعة ..

البِدعة لها معنيان : معنىً لغوي ، ومعنىً شرعي ، فالمعنى اللغوي كل شيء جديد اسمه بدعة ، والمعنى الشرعي: من أحدث في الدين ما ليس فيه فهو مُبتدع ، فمن ابتدع شيئاً يُيَسّشر على المُصلين صلاتهم فهو شيءٌ جيد ، فنقلُ الصوت بدعة ، لكنها تُعطي خدمات لرواد المسجد ..

فهناك بدعة حسنة ، حينما تُقدم شيئاً مريحاً جيداً يحل بعض مُشكلات المجتمع ، دون أن يُخالف نصاً شرعياً ، أما البدعة السيئة فهي التي خالفت أمراً مُحرماً ..

والبدعة في الدين حرام مئة في المئة لماذا ؟ لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا )المائدة :3 ، فالدين أنزله الله تام وكامل ، فديننا الإسلامي لا يقبل التعديل ولا المعالجة ولو كانت طفيفة ..

لذلك أصحاب البِدع يُقال لهم أصحاب الأهواء ، إما أن تُحكِّم سُنة النبي صلى الله عليه وسلم في حياتك ، وإما أن تُحكِّم الهوى ، وإن حكَّمت الهوى أصبحت مبتدعاً ، وخرجت عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإن حكَّمت السنة في أفعالك وأقوالك وسيرتك فقد كُنت مقتدياً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ..

فحظ العبد في هذا الاسم ألا يكون مبتدعاً ، فمن تكريم الله لهذا الإنسان أن مكَّنهُ من أن يُبدع ، في الزراعة وفي النبات وفي خلط الألوان وصهر المعادن وهذا من فضل الله علينا ،  أما أن يبتدع في الدين فهذا ضلالة قولاً واحداً ، وأيُّ بدعة تأتينا يجب أن نسأل عن أصلها ، فإن لم يكن لها أصل فهي بدعة مردودة لا نقبلها ..

      ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

الكبير

image

الاسم الثلاثون من أسماء الله الحسنى : الكبير

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.     علاقة المؤمن به

من قوانين النفس الإنسانية إنها لا تُقبل إلا على كبير ، وإلا على عظيم ، لذلك حينما يتعرف الإنسان إلى الله عزوجل ترتاح نفسه لأن فطرتها كذلك اختارت الكبير الملك العظيم ، فهناك توافق بين خصائص النفس البشرية وأسماء الله الحُسنى ، بمعنى أن في جِبِلَّتك تعظيماً للكبير والله هو الكبير ، وأن في جِبِلَّتك ميلاً إلى الرحيم والله هو الرحيم ، فكل أنواع الضياع والإضطراب والتشتت تتبدد إذا تعرفت إلى الله عزوجل ، فالدِّين يُذكِّر بأصول الفطرة  ..

قال تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) الرعد: 9 ، فإذا كنت في مجلس أو ندوة ، وأنت لا تشعر تتجه نحو العظيم الأكثر علماً والأكثر فصاحةً والأكثر ذكاءً وقُدرةً وجمالاً ، هذه جِبِلَّة النفس ، فلو عرفت الكبير وهو الله لأقبلت نفسُك عليه ..

فلو رأيت آية من خلق الله عزوجل واستعظمت خالقها لقلت ( الله أكبر ) ، والله وصف نفسه أنه كبير وأمرنا أن نُكبّره لِنسعد به ونُقبل عليه ، لقوله تعالى : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) المدثر: 3 ، فالكبير والمُتكبر والأكبر والكبرياء كُلها مشتقة من اسم الكبير ..

لا يكبر في نفسك شيء ما دامت كلمة ( الله أكبر ) هي الأكبر ، أحياناً المرض يكبر ، فإذا قلت الله أكبر، يعني أن الله قادر على شفائك التام من هذا المرض ..

فما معنى الكبير في حق الله عزوجل ؟ المعنى الأول : الكبير يقابله الصغير ، فالموظف أمام المدير صغير ، والطالب أمام المعلم صغير ، وصاحب المليون أمام صاحب المئة مليون صغير ، لكن لا يستقيم هذا المعنى مع ذات الله عزوجل ، فالله ليس له مقدار ولا حجم ومُنزَّه أن يكون له حيِّز ..

المعنى الثاني : الكبير بمعنى أنه كبُر عن مشابهة المخلوقات ، فالله أكبر من أن يشبه خلقه ، وأكبر من أن يشبهه أحد من خلقه فهو أكبر من ذلك، فحين صوروا بعض قصص الأنبياء لم يتمكنوا من أن ياتوا برجل ويجعلونه نبياً ، فليس هناك فتوى تُجيز ذلك لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكبر وأعظم من أن يأتي إنسان ويُمثل دوره لأنه اكبر من ذلك ، وليس القصد هنا أن نُقيم موازنة بين الله وخلقه حاشاه سُبحانه ولكن لنصرف الناس عن الشرك ، وكُل كبير لا يوازن بين الله الكبير فلِكيْ نُوحّد الله ولا نُشرك به شيئاً ..

المعنى الثالث : الله أكبر مما عرفت ، مهما تعرفت على الله فهو أكبر مما تظن ، مهما تخيلت قدرة الله عزوجل فهي أكبر مما تخيلت ، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم المُصلي أن يقول(الله أكبر) ، أي اتجه إلى الله فهو أكبر مما عرفت ، فكُلما تعرفت عليه فهو أكبر وهو أعظم ..

فالله العظيم الكبير وذو الكبرياء ، والكبرياء عبارة عن كمال الذات ، وكمال الذات أي كمال الوجود ، وكمال الوجود يرجع على شيئين : دوامه أزلاً وأبداً ، فكُل وجود يسبقه عدم ليس كاملاً ، وكل وجود ينتهي إلى عدم ليس كاملاً ، والثاني وجوده ذاتي ووجود مخلوقاته مُتوقف على مشيئته ..

فالله أكبر أن تعتز به وتثِقُ به وتعتمد عليه وتتوكل عليه ، فأنت تقول ( الله أكبر ) في الصلاة ، وتسمعها خمس مرات في الأذان ، وتقول ( الله أكبر ) في كل حركات الصلاة ، إن الذي يقول ( الله أكبر ) ويُطيع مخلوقاً في معصية الخالق فكأنَّه ما قالها ولا مرة ، فلا تأخُذك في الله لومة لائم ، ولا ترى أحد أكبر من الله عزوجل ..

لذلك هناك امتحانات دقيقة في الحياة خلاصتها أن الله يضعك امام ظرف صعب ، قد تُغلق الأبواب كلها في وجهك ويُفتح لك باب واحد ، باب معصية ، فتذكر( الله أكبر) ، تُدعى لشرب الخمر تذكر  ( الله أكبر ) ، تستلم رشوى تذكر ( الله أكبر ) ، تشهد الزور تذكر ( الله أكبر ) ، ما ينفعك أن يرضى الناس جميعاً عنك ، والله ساخطٌ عليك ، فرضا الناس إلى زوال ولكن رضا الله باق أبداً ، ما قيمة الدنيا كلها ولو كُنت تملكها وليس لك عند الله شأن ؟؟  ..

الكبير من الناس هو الذي عرف الله حق المعرفة ، وأقبل عليه حق الإقبال  وعرف أحكامه التكليفية حق المعرفة ، فقد حصَّل المجد من طرفيه  ، والكبير من الناس من إذا كان عالماً ووصَّل علمه إلى الآخرين ، ومن كان كاملاً ذو أخلاق وتخلَّق الناس بأخلاقه ، إذاً الكبير الكامل في نفسه المُكمِّل لغيره ، العالم في نفسه المُعلِّم لغيره ، فلو كنت صاحب معرفة وبقيت لوحدك ولم توصل علمك فأنت أناني لأنك حصَّلت المعرفة واكتفيت بها لنفسك ..

طاعتك عند الله هي كُل شيء ، وهي التي تُحدد مكانتك عند الله عزوجل ، وأنت كمؤمن وتعرف أن الله كبير ، يجب أن تعتز بالله عزوجل وأن تثق بالله وأن توقن بأن لك معاملة خاصة عنده ..

       ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

الرحمن الرحيم

image

الاسم التاسع والعشرون من أسماء الله الحسنى : الرحمن الرحيم

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.     علاقة المؤمن به

الرحمن الرحيم كما يقول أحد العلماء : ( اسمان مشتقان من الرحمة ) ، والرحمة تستدعي المرحوم ولا مرحوم إلا وهو مُحتاج ، الإله لا يكون مرحوماً هو راحم ، أما المخلوق فهو مرحوم لأنه ضعيف ولأنه عاجز ، والحقيقة أن الرحمة التي نراها في الكون ما هي إلا تجسيد لاسم الرحمن ، و من عناصر الرحمة أن فاعلها يُريد الرحمة ، فلست رحيماً إلا إذا أردت وفعلت  ..

هناك رحمةٌ عامة ، وهناك رحمةٌ تامة ، الرحمة التامة ما توافرت فيها الإرادة والعمل ، أما الرحمة العامة ما أصابت المُستحق وغير المُستحق ..

مثال : أن تأكل الطعام ، وتسكن في منزل مريح ، وتكون لك زوجة، ودخلٌ وافر ، تتنفس الهواء ، تشرب الماء ، هذه رحمة عامة فالله يؤتي الدنيا لمن يحب ومن لا يُحب ، أما أن يوفقك الله للطاعة ،ويقذف في قلبك نوراً وهدايةً ، فترى به الخير خيراً والشرَّ شراً ، يُعلِّمك الله ويُلهِمُك سواء السبيل فهي رحمة خاصة ..

قد يُعطيك الله المال ويجعل قلبك ممتلئاً بالقلق ، قد يعطيك الصحة وتكون أشقى الناس ، لكن اسمع حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ بن جبل : ( يا معاذ ! والله إني لأحبك ) رواه أحمد ، هذا عطاء ثمين أن يحبك سيد الخلق فهنيئاً لك ..

فالشيء الذي يجب أن تسعى إليه هو رحمته الخاصة ، بأن يُعلِّمك ، يرزُقك طيباً ، ويُلهمك الحكمة ، أن تضع الشيء المناسب بالقدر المناسب في المكان المناسب مع الشخص المناسب ، قال تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا )البقرة : 269  ، إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر فيما استعملك ، انظر عملك ، هل أساسه الرحمة بالناس أم الإضراربهم ، أساسه العطاء أم الأخذ ..

إذا الرحمة الخاصة مشروطة بالطاعة والمُجاهدة وبذل المال ومعاونة الضعيف وغض البصر ، والذكر والتلاوة هذه قنوات تصِلُك من خلالها الرحمة الخاصة وتشعر أنك إنسان مُتميز ، لك عند الله مكانة ، فرحمة الله الخاصة تحتاج إلى مُجاهدة لذلك قال إبراهيم بن عيلة : ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) جهاد النفس والهوى ..

الله عزوجل يرحم لمصلحة المخلوق لا لمصلحة الراحم ، نقطة مهمة يعني الله سبحانه وتعالى مُنزَّه عن كل المشاعر التي تعتري الإنسان الرحيم الذي يشعر بالشفقة على المسكين ويتمزق قلبه لرؤية الكبير الضعيف ، يا تُرى رب العالمين ، هل تعتريه هذه المشاعر ، لا !! لأنه إله ، لكنه يرحم كل خلقه ، ومُنزَّه عن المشاعر التي تعتري مشاعر الرحيم من بني البشر ..

ما الفرق بين كلمة الرحمن والرحيم ، قال بعض العلماء : الرحمن في ذاته ، والرحيم في أفعاله ، وبعضهم قال : الرحمن في الدنيا والآخرة ،قال تعالى : (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) مريم: 45 ، هذه الزلازل والمجاعات والحروب والفقر والقهر يحتار في أمرها المرء مصدرها من الرحمن ، الحرمان مؤلم ، والقهر مؤلم ، والفقر مؤلم ، أما إذا كان هذا الحرمان سبباً لعطاء مديد ، إذا كان هذا الإضرار سبباً لنفع طويل ، لذلك إذا رأيت شيئاً مؤذياً فاعلم أن الله سبحانه يُضر لينفع ، ويأخذ ليُعطي ، ويبتلي ليَجزي ..

الله رحيمٌ ورحمن ، رحيم يُمتعك بالصحة ، يمنحُك المال ، يبُث فيك الراحة النفسية ، لكنه رحمن ينظر إلى آخرتك فيأخذ بيدك للعمل الصالح ، وينظر إلى هذه الحياة الأبدية لتسعد بها التي سوف تحياها ، ولمصلحة هذه الحياة الأبدية ربما يُذهب كُل مالك ، يصرف عنك الدنيا كلها ، والله يعلم أنتم لا تعلمون ..

الله عزوجل إذا أراد أن يُداوي مخلوقاً يعلم كيف يُداويه ومن أي زاوية أراد أن يُداويه ، من المكان الصعب ، من حيث هو مطمئن ، فلا تتكِل على علمك ، وعلى خبرتك ، اتكل على الله  ..

يجب ألا تبرح هذه الآية أذهانكم ، قال تعالى : (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ) النساء: 147 ، فالله غني لماذا يُفقرك ؟ لماذاً يُضيق عليك ؟ إلا حُباً بك ورحمة بك ودفعاً بك إلى باب عبوديته ..

مستحيل أن تكون مصيبة بالأرض بلا سبب ، أو بلا خير ضمني ، أو بلا هدف ، وإن شككت فاتَّهم بذلك عقلك القاصر ، وقُل أنا فهمي محدود ، قال تعالى : (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران: 26 ، بيدك الخير : لم يقُل والشر ، الإعزاز خير ، الإذلال خير ، إيتاء المُلك خير ، سلب المُلك خير .. كله خير من الرحمن الرحيم ..

ادعو الله عزوجل أن يرحمك في الدنيا والآخرة ، وأن يؤتيك في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ..

                         ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )