واحتي : 21
الاسم الثامن عشر من أسماء الله الحسنى : البارئُ – المُصوِّر
سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :
1. تعريف الاسم
2. تطبيقاته العملية
3. علاقة المؤمن به
1. قال تعالى : (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الحشر: 24 ، درجت الكُتب التي تتحدث عن أسماء الله الحسنى على أن تشرح الأسماء الثلاثة معاً في سياق واحد ..
وفي القرآن الكريم كلمات إذا جاءت مُجتمعة فلها معنى ، وإذا جاءت مُنفصلة بعضها عن بعض فلها معنى آخر ، مثلاً : الفقراء والمساكين ، هاتان الكلمتان إذا اجتمعتا تفرقتا ، وإذا تفرقتا اجتمعتا ، أي إذا ذكر الله في القرآن كلمة مساكين فقط ، فالمقصود عندئذ : الفقراء والمساكين ، أما إذا ذكرت كلمة الفقراء والمساكين معاً فالفقراء صنف والمساكين صنف ..
فإذا وردت كلمة خالق وحدها مُعْزوة إلى الله عزوجل فهو الذي يوجد من العدم ، أما إذا قال تعالى : ( هو الله الخالق البارئ المصور ) صار ( الخالق ) هو المُقدِّر ، و ( البارئ ) هو الإيجاد من عدم ، و ( التصوير ) يعطي الصورة المناسبة لكل مخلوق ..
فلو عرفت أن الله هو الخالق فقط ، فالعامة وحتى إبليس يعرف أن الله هو الخالق ، لكن الإعتراف والإقرار لايكفي ، بل المُهم هو : ماذا تعرف عن الله عزوجل ؟؟ وبذلك يظهر إيمانك بالله ودرجة إيمانك به..
وهناك مثال يوضح ويُقرِّب المعنى ، ولله المثل الأعلى ولكن للتقريب ، مُهندس صمم بناء على الورق ، وعِلْمه وضعه في هذه الخريطة ، والخريطة تضم : خريطة الأساسات ، فالطابق الأول والطابق الثاني والدعائم الاسمنتية ، والشرفات وكله على الورق ، فالخلق تقدير ، أما الباريء فهو الموجد من عدم ، كن فيكون ، والآن جاء دور حفر الأساسات وصب الخراسانات إلى أن قام البناء ، فالخلق هو التقدير ، والبارئ هو الذي أوجد من عدم .
لكن البناء على الهيكل منظره قبيح جداً ، فلا بد من عمل آخر وهو إعطاء هذا البناء الشكل المقبول ، فجاء دور البلاط ، وعامل الكهرباء وزيَّن الشرفات ، والجدران من الداخل والخارج ، فصار البناء جميلاً جداً .. وهذا معنى ( الخالق البارئ المصور ) ولله المثل الأعلى ..
والمصور إعطاء الصورة الخارجية فالذي يرى في التشريح إنسان كله عضلات وهو منظر مخيف ، فعضلات الوجه بالعشرات ، ويرى إنساناً كله أعصاب ، وآخر كله أوعية ، وهناك صورة هيكل عظمي ، وانظر إلى الإنسان في آخر وضع بعد كسوته بالجلد تجده جميلاً ، وانزع الجلد عنه فهناك المنظر المُخيف ، فربُنا أعطاه صورة جميلة ..
فهذا الإنسان خُلق بعلم ، فالقلب والعظام كلها خُلقت بعلم ، وبعد العلم هناك إيجاد ، وبعد الإيجاد هناك صورة أعطاها الله هذا المخلوق كالبناء تماماً ..
فأسماء الله الثلاثة الخالق والبارئ والمصور ، أسماء مُتلازمة مُتآلفة في غايتها تجمع بينها آصرة واحدة وهي العلاقة الوشيجة لعملية الخلق ، خلقاً وبرءاً وتصويراً ، والمُصور يعني أن الله اعطى كل شيء صورته ، ليس معنى الصورة الشكل الخارجي بل القوام الكامل طولاً وعرضاً وارتفاعاً وعمقاً ، فالنملة لها صورة ، والفيل والحوت له صورة ، وكُل مخلوق له صورة ..
ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ يتذكر قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) التين: 4 ، فما من مُبدع غير الله الخالق البارئ المصور ، فلا يكفي أن تعرف أن الله هو الخالق فهذا كلام كل الناس ، لكن لو عرفت خلقه وإبداعه وإيجاده كل شيء من عدم لأطعته ، وإذا حملك إيمانك على طاعة الله فنمْ قرير العين واطمئن لأنه يُنجيك ..
( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )
المصدر: كتاب أسماء الله الحسنى .. الكاتب محمد راتب النابلسي