الخالق

image

واحاتي : 20

الاسم السابع عشر من أسماء الله الحسنى : الخالِق

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.  تعريف الاسم

2.  تطبيقاته العملية

3.  علاقة المؤمن به

الخلق في اللغة : الإيجاد والإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود ، تعريف عظيم  ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 21 ، فالله هو الخالق وحده ،  ولا أحد سواه ينبغي أن تعبده ، والخالق وحده هو الذي إذا عبدته سعِدْت بعِبادته ، وإذا عبدْته نجوت من عذابه ، وأفلحت في حياتك ، وفُزْت بعد مماتك ، ودخلت الجنة ..

في المعنى المألوف اليوم أن الصانع وحده هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تعطي تعليمات التشغيل ، فلو أن آلة ثمينة تملكها ، واتبعت في تشغيلها جهةً غير جهة الصانع فقد أفسدتها وخسرتها ، فببساطة لا يُعْبد ولا يُتَّبع ولا يُطاع إلا الصانع ، فهو خبير عليم يعلم طبيعة هذه النفس وما يصلحها وما يفسدها وما يُشقيها وما يطمئنها وما يخيفها ، والذي يكون مع الحق لا يخيب ظنه ولا يحبط عمله ولا ينقطع رجاؤه ولن يُفاجأ بحدث لم يكُن متوقعاً ، لذا عليك بهذا القرآن ففيه الهدى ..

لماذا يشقى بعض الناس في الحياة ؟ لأنهم موزعون بين جهات عديدة ، إذ عليه أن يُرضي زوجته ، وأن يُرضي أمه ، وأن يُرضي من فوقه في العمل ، وأن يرضي فُلاناً الذي يهدده  ، لكن المؤمن يُرضي جهةً واحدة ، وهذه الجهة الواحدة القوية ، وبيدها كل الجهات ، لذلك قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( من جعل الهموم هماً واحداً همَّ المعاد كفاه الله سائر همومه ومن تشعَّبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يُبال الله في أي أوديتها هلك ) إسناده حسن عن ابن ماجه عن ابن مسعود ..

جهة واحدة تستحق العبادة والحب والإخلاص ، ,أن تعمل لها ، وأن تُفني شبابك من أجلها ، وأن تبذل كل عمرك في سبيلها ، هي الذات الإلهية ، وأُلخصها بكلمة واحدة : تضحية صادقة لكنها مُجْزية ، فالخالق هو الله ، يحْتاجه كل شيء في كُل شيء فاعبدوه ..

فلنُلاحظ أن أمر العبادة يأتي في الأعم الأغلب في القرآن الكريم بعد اسم الخالق ، (اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) ، والحقيقة أن القرآن الكريم كتاب العمر ، وهو الكتاب المُقرر ، فعندما تقرأ القرآن ومرَّت عليك كلمة الخلق ابحث عن العلاقة بينها وبين ما قبلها وما بعدها ،  حينما تَشُحِّ الأمطار وتنْحبس السماء لا توجد جهة في الأرض كلها بإمكانها أن تُنزل الماء ، فليس لأحد حيلة إلا أن يجأر بالدعاء إلى الله عزوجل ..

أما صيغة ( الخلاَّق ) فهي صيغة مبالغة ، يعني كثير الخلق وعظيم الخلق ،فلو رأيت المجرات لهالك ما ترى ، لو صعدت إلى جبال الهملايا سيُدهشك ارتفاعها ، الحوت الأزرق وزنه مئة وخمسون طناً يُسْتخرج منه تسعون برميلاً من زيت السمك ، غزارة الأمازون ، كُتل السحاب، وكلها شاهدة على الله الخالق ، فالخلاَّق إما كثرة الخلق عدداً ، وإما عظمة الخلق نوعاً ..        

قال تعالى : (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) المؤمنون: 14 ، انظر إلى مركبة عام ألف وتسعمائة وتسعين فتفهم أن الإنسان ارتقت صناعته وتكاملت أعماله لضعف خبرته ، إذاً فخبرته مُكْتسبة ، لكن انظر إلى خلق الإنسان ، هل هناك إنسان مُعدَّل ؟ إنسان نمط تسعين أو ثمانين ، ليس إلا نوع واحد ودون أي تعديل ، لأن علم الله قديم وخبرته قديمة  ..

وقال تعالى : (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ) الأعراف: 54، أي خلق : قدَّر، ثمَّ أمر : كُن فيكون يعني أوْجد من عدم ، فمما يُطمْئِن الإنسان أن الذي يخلقه الله عزوجل يبقى رهن أمره ، فأنت اطمئن أن كل من حولك وما حولك بيد الله عزوجل ..

ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ إذا كان سبحانه الخالق والخلاَّق وله الأمر من قبل ومن بعد ، فلا يحِقُّ لك اللجوء لغيره وطلب العون والمدد من مخلوق ، كل ما في الأرض والسماء يشهد بصنعة الخالق ، الذي إذا عبدته سعدت بعبادته ، وإذا عبدته نجوت من عذابه ودخلت الجنة وسُعدت فيها للأبد ..

    ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )
كتاب أسماء الله الحسنى …. الكاتب محمد راتب النابلسي

Leave a comment