واحاتي : 18
الاسم الخامس عشر من أسماء الله الحسنى : القابض ، الباسط
سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :
1. تعريف الاسم
2. تطبيقاته العملية
3. علاقة المؤمن به
أول ملاحظة أذكرها في هذا الاسم أنه لا يجوز أن تقول أن الله قابض فقط ، لأنك إذا قلت قابض فمعنى ذلك أنك تصفه بالمنع والبخل ، لكن إذا قلت قابض باسط فمعنى ذلك أنك وصفته بالقدرة والحكمة ..
فلا بد أن نعطي الكلمة معناها اللغوي ، القبض لغةً هو الأخذ ، والبسط هو التوسيع والنشر ، فكل أمر ضيقه الله عزوجل فقد قبضه ، وكل أمر وسعه فقد بسطه ..
أول معنى من المعاني في القبض والبسط هو الرزق ، قال تعالى : (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ) العنكبوت: 62 ، فإذا أراد رب العالمين أن يرزقك ألهمك الوسائل والأساليب والتحركات المناسبة للربح ، وإذا أراد أن يقبض وكنت غنياً فقد سِرت في طريق الإفلاس وأنت لا تدري ..
ولكن إياك أخي القاريء أن تظن أن البسط عند الله عزوجل فيه معنى الإسراف ، وأن القبض فيه معنى البخل ، بل يقبض عن حكمة وقدرة وعلم وتقدير ،ويبسط عن إكرام وتوسعة وامتحان ، فبسطه إكرام أو امتحان ، وقبضه معالجة أو وقاية ..
ثاني معنى : متعلق بالسَّحاب ، قال تعالى : (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء ) الروم: 48 ، هذا السحاب ينتشر في السماء كما يشاء الله – عزوجل – ، وقد يقبضه عن قوم ويبسطه لقوم ..
ثالث معنى : يقبض ويبسط في الأنوار والظلال ، فقال تعالى : (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ) الفرقان:46 ، فأين النهار إذا جاء الليل ؟ وأين الليل إذا جاء النهار ؟ فالله يقبض النور ويبسطه
رابع معنى : أن الله عزوجل يقبض الأرواح ، فإذا قبض روح العبد أماته ، وإذا بسطها أحياه ..
والمعنى الخامس : يتعلق بالأرض أيضاً ، فهو سبحانه يقبضها ، قال تعالى : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) الزمر:67، فبسط الأرض وجعلها صالحة لحياتنا ، وقبضها أي أنهى عملها ووظيفتها ..
والمعنى السادس : أن الله سبحانه يأخذ الصدقات أي يقبضها ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( إنَّ العبْد إذا تصدَّق من طيِّب تقبَّلها الله منه وأخذها بيمينه وربَّاها كما يُربِّي أحدكم مُهْرهُ أو فصيلَهُ ، وإن الرجل ليتصدق باللُقمة فتربو في يد الله أو قال في كف الله حتى تكون مثل الجبل فتصدَّقوا ) ..
لكن ما نحتاجه جميعاً ان رب العالمين يقبض القلوب ويبسطها ، والحقيقة إذا قصَّرت في عباداتك وتهاونت في صلاتك قبض الله عنك الأحوال الطيبة ، شعرت بالوحشة وبالضيق وبالحرمان ، فتفزع إلى الله وتقوم إلى الصلاة وتحس بالخشوع فهذا هو البسط ، فربنا سبحانه يعالج المؤمن ، وكل معصية يقابلها انقباض ، وكل طاعة يقابلها انبساط ..
لكن حين تحس بطعم الطاعة تصبح متفائلاً ، بشوش الوجه ، سعيد ، وتبدأ تنظر للناس أنهم مقصرون ، ضعيفو الهمة ، وهذا الشعور بالانبساط يصاحبه أحياناً انزلاق وعُجب وكِبر فالعلاج هو حالة القبض ، فتراه ساكتاً ، يشعُر بضيق ، ويقوم ليُصلِّي فلا يشعر بطمأنينة ..
فإذا استحققت من الله حالة البسط ، فإياك أن تنزلق منها إلى الغرور أو الاستعلاء أو الإعجاب ، إذاً مع البسط هناك مُنزلق وهو الإعجاب ، أما إذا جاءك القبض إثر معصية أو انحراف فهذا قبض المعصية ويعقبه إحساس بالكآبة ، ورب العالمين هو رب النفوس إذ يُربي الأجساد بالمواد ، ويُربي النفوس بتقليبها من حال إلى حال ..
فالقبض والضيق والوحشة الناتجة عن المعاصي هذه علاجها الطاعات والتوبة ، أما القبض الذي ليس له سبب ظاهر للإنسان المستقيم هو معالجة إلهية لطيفة له، فلعله فاه بكلمة جارحة ، أو أساء الظن بالله ، أو جرح كرامة شخص ..
ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ يجب أن تُجري موازنة دقيقة بين أن تُطْمع الناس برحمة الله وبين أن تُيئَّسْهُم من جنته ، حبِّب الناس إلى الله وخوفهم من عذابه ..
( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )
المصدر: كتاب أسماء الله الحسنى … للدكتور محمد راتب النابلسي