واحتي : 22
الاسم التاسع عشر من أسماء الله الحسنى : اللَّطيف
سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :
1. تعريف الاسم
2. تطبيقاته العملية
3. علاقة المؤمن به
قال تعالى : (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) الشورى: 19 ، الكون مظهر لأسماء الله الحسنى ، فهل ترى في الكون ما يدل على أنه لطيف ؟ نعم ، فالهواء يحيطُ بنا من كل جانب ، نستنشقه ، ولو حركناه لشعرنا بوجوده ، يحمل طائرة وزنها ثلاثمئة وخمسون طناً ، فهو إذاً شيءٌ عجيبٌ جداً ، والهواء لا يُرى وليس له صوت إذا كان ساكناً ، فهو موجود وكأنه غير موجود ، إذاً فالهواء لطيف ..
اسم اللطيف له معانٍ كثيرة ، أحد هذه المعاني : أن الشيء الصغير الذي لا يُحس به لصغره ولُطْفه يُسمى لطيفاً ، موجات الإرسال في المذياع ليس لها وزن ولا رائحة ولا يمكن رؤية الكلام بالعين فالإرسال موجود ولكنه بلطف ..
وإذا قُلنا الله لطيف بعباده ، فالله عزوجل معك يسمع صوتك ، ويعلم ما في قلبك وما في رأسك من طموحات وصراعات وآراء ومعتقدات ، ويعلم ما في قلبك من هموم ومتاعب وآلام وضغوط ، ومع ذلك وجوده معك مُحبب ولطيف ، فالله من اللطف بحيث لا تراه ولا تسمعه ، ولكنك تراه بعقلك ، إذاً اسم اللطيف من أسماء التنزيه ، لا تُدْركه الأبصار لأنه لطيف وهو يُدْركُ الأبصار ..
المعنى الثاني : اللطيف هو العالم بدقائق الأمور وغوامضها ، يُقال فُلان لطيف اليد إذا كان حاذقاً في صنْعته ، ومُهتدياً إلى ما يشكُل على غيره ، فقد تفهم الأمر ظاهرياً لا بخباياه ، ولا خلفياته ، لكن الله اللطيف يعرف دوافعك الحقيقية ، ويعلم دقائق الأمور ، وبواطنها وخلفياتها ، ويعلم ما خَفِيَ على معظم الناس ، فهو يعلم كل شيء مهما دقَّ أو خفي ..
المعنى الثالث : اللطيف هو البَرُّ بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويُهيِّئ مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، فاليوم حرُّ شديد مثلاً ، فربُّنا يُهيِّئ لأهل هذه البلدة إنضاج فاكهتهم وهم لا يعرفون ، وبعد شهر ترى هذه الفاكهة تُباع في السوق بشكل جميل ولذيذ ، فمن أنضج الفاكهة طوال هذه المُدة ؟الله عزوجل ، إنه لطيفٌ بعباده ، ساعة حر وساعة برد ، وساعة ماءٌ غزير ، وأنت لا تدري فاللطيف بعباده هو البَرُّ بهم ، والذي يلطف بهم من حيثُ لا يعلمون ..
المعنى الرابع : اللطيف الذي يعلم دقائق الأمور ، وينْقل عبده من حال إلى حال بِلُطفٍ عجيب ، فهذا الطفل الصغير يكون في السنة الأولى بدون أسنان ثم تنبُت له أسنان لبنية ، ومن بعد يُبدِّل الله أسنانه فالله لطيف ، ولا يوجد طبيب في الأرض يستطيع أن ينزع سناً لطفل من دون أن يبكي ، ولكن ربُّنا عزوجل يُذيب هذا السن شيئاً فشيئاً ولا يشعر به الطفل ، وكذلك في تحريم الخمر ، حيثُ كان العرب متعلقين بها تعلُّقاً شديداً فجاء تحريمها بالتدريج ، وبالتدريج ربنا يُعالج الأمور ، فهو لطيف في العلاج ، والإنسان أحياناً يغلب رجاؤه على خوفه ، وربُّنا لطيف يخوِّفه ، وأحياناً يغلب خوفه على رجائه وربُّنا لطيف يطمئنه ..
ومن لُطف الله بعباده ، أنه أعطاهم فوق الكفاية ، وكلَّفهم دون الطاقة ، خمس صلوات ، شهر واحد للصيام ، حج مرة واحدة لمن يستطيع ، الله لطيف بأوامره ، لطيف بخلقه ، يسَّر كل عسير ..
ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ هو الرفق بعباد الله ، واللطف بهم في الدعوة إلى الله ، كما فعل سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون ، فقال تعالى : (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه: 43-44 ..
فإذا عرفت شيئاً سيئاً فاستره ، وكُن لطيفاً ، وإذا أردت إحداث شيء فاجعل لهذا الشيء برنامجاً لا يُثقل صاحبه ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم- كان في قمة النشوة في صلاته مع ربه ووراءه أصحابه ، فسمع بكاء طفل صغير ، فعلى غير عادته قرأ آية قصيرة رحمةً بهذا الطفل ..
فإذا كان الله لطيفاً في علمه ، لطيفاً في وجوده ، لطيفاً في تصرفاته ، فاشتق منه هذا اللطف ..
( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )
من كتاب أسماء الله الحسنى. .. الكاتب محمد راتب النابلسي