Archive | August 2014

اللطيف

image

واحتي : 22

الاسم التاسع عشر من أسماء الله الحسنى : اللَّطيف

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.     علاقة المؤمن به

قال تعالى : (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) الشورى: 19 ، الكون مظهر لأسماء الله الحسنى ، فهل ترى في الكون ما يدل على أنه لطيف ؟ نعم ، فالهواء يحيطُ بنا من كل جانب ، نستنشقه ، ولو حركناه لشعرنا بوجوده ، يحمل طائرة وزنها ثلاثمئة وخمسون طناً ، فهو إذاً شيءٌ عجيبٌ جداً ، والهواء لا يُرى وليس له صوت إذا كان ساكناً ، فهو موجود وكأنه غير موجود ، إذاً فالهواء لطيف ..

اسم اللطيف له معانٍ كثيرة ، أحد هذه المعاني : أن الشيء الصغير الذي لا يُحس به لصغره ولُطْفه يُسمى لطيفاً ، موجات الإرسال في المذياع ليس لها وزن ولا رائحة ولا يمكن رؤية الكلام بالعين فالإرسال موجود ولكنه بلطف ..

وإذا قُلنا الله لطيف بعباده ، فالله عزوجل معك يسمع صوتك ، ويعلم ما في قلبك وما في رأسك من طموحات وصراعات وآراء ومعتقدات ، ويعلم ما في قلبك من هموم ومتاعب وآلام وضغوط  ، ومع ذلك وجوده معك مُحبب ولطيف ، فالله من اللطف بحيث لا تراه ولا تسمعه ، ولكنك تراه بعقلك ، إذاً اسم اللطيف من أسماء التنزيه ، لا تُدْركه الأبصار لأنه لطيف وهو يُدْركُ الأبصار ..

المعنى الثاني : اللطيف هو العالم بدقائق الأمور وغوامضها ، يُقال فُلان لطيف اليد إذا كان حاذقاً في صنْعته ، ومُهتدياً إلى ما يشكُل على غيره ، فقد تفهم الأمر ظاهرياً لا بخباياه ، ولا خلفياته ، لكن الله اللطيف يعرف دوافعك الحقيقية ، ويعلم دقائق الأمور ، وبواطنها وخلفياتها ، ويعلم ما خَفِيَ على معظم الناس ، فهو يعلم كل شيء مهما دقَّ أو خفي ..

المعنى الثالث : اللطيف هو البَرُّ بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويُهيِّئ مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، فاليوم حرُّ شديد مثلاً ، فربُّنا يُهيِّئ لأهل هذه البلدة إنضاج فاكهتهم وهم لا يعرفون ، وبعد شهر ترى هذه الفاكهة تُباع في السوق بشكل جميل ولذيذ ، فمن أنضج الفاكهة طوال هذه المُدة ؟الله عزوجل ، إنه لطيفٌ بعباده ، ساعة حر وساعة برد ، وساعة ماءٌ غزير ، وأنت لا تدري فاللطيف بعباده هو البَرُّ بهم ، والذي يلطف بهم من حيثُ لا يعلمون ..

المعنى الرابع : اللطيف الذي يعلم دقائق الأمور ، وينْقل عبده من حال إلى حال بِلُطفٍ عجيب ، فهذا الطفل الصغير يكون في السنة الأولى بدون أسنان ثم تنبُت له أسنان لبنية ، ومن بعد يُبدِّل الله أسنانه فالله لطيف ، ولا يوجد طبيب في الأرض يستطيع أن ينزع سناً لطفل من دون أن يبكي ، ولكن ربُّنا عزوجل يُذيب هذا السن شيئاً فشيئاً ولا يشعر به الطفل ، وكذلك في تحريم الخمر ، حيثُ كان العرب متعلقين بها تعلُّقاً شديداً فجاء تحريمها بالتدريج ، وبالتدريج ربنا يُعالج الأمور ، فهو لطيف في العلاج ، والإنسان أحياناً يغلب رجاؤه على خوفه ، وربُّنا لطيف يخوِّفه ، وأحياناً يغلب خوفه على رجائه وربُّنا لطيف يطمئنه ..

ومن لُطف الله بعباده ، أنه أعطاهم فوق الكفاية ، وكلَّفهم دون الطاقة ، خمس صلوات  ، شهر واحد للصيام ، حج مرة واحدة لمن يستطيع ، الله لطيف بأوامره ، لطيف بخلقه  ، يسَّر كل عسير ..

ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ هو الرفق بعباد الله ، واللطف بهم في الدعوة إلى الله ، كما فعل سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون ، فقال تعالى : (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه: 43-44 ..

فإذا عرفت شيئاً سيئاً فاستره ، وكُن لطيفاً ، وإذا أردت إحداث شيء فاجعل لهذا الشيء برنامجاً لا يُثقل صاحبه ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم-  كان في قمة النشوة في صلاته مع ربه ووراءه أصحابه ، فسمع بكاء طفل صغير ، فعلى غير عادته قرأ آية قصيرة رحمةً بهذا الطفل ..

فإذا كان الله لطيفاً في علمه ، لطيفاً في وجوده ، لطيفاً في تصرفاته ، فاشتق منه هذا اللطف ..

       ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

من كتاب أسماء الله الحسنى. .. الكاتب محمد راتب النابلسي

البارىء ،، المصور

image

واحتي : 21

الاسم الثامن عشر من أسماء الله الحسنى : البارئُ – المُصوِّر

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.     علاقة المؤمن به

1.      قال تعالى : (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الحشر: 24 ، درجت الكُتب التي تتحدث عن أسماء الله الحسنى على أن تشرح الأسماء الثلاثة معاً في سياق واحد ..

وفي القرآن الكريم كلمات إذا جاءت مُجتمعة فلها معنى ، وإذا جاءت مُنفصلة بعضها عن بعض فلها معنى آخر ، مثلاً : الفقراء والمساكين ، هاتان الكلمتان إذا اجتمعتا تفرقتا ، وإذا تفرقتا اجتمعتا ، أي إذا ذكر الله في القرآن كلمة مساكين فقط ، فالمقصود عندئذ : الفقراء والمساكين ، أما إذا ذكرت كلمة الفقراء والمساكين معاً فالفقراء صنف والمساكين صنف ..

فإذا وردت كلمة خالق وحدها مُعْزوة إلى الله عزوجل فهو الذي يوجد من العدم ، أما إذا قال تعالى : ( هو الله الخالق البارئ المصور ) صار ( الخالق ) هو المُقدِّر ، و ( البارئ ) هو الإيجاد من عدم ، و ( التصوير ) يعطي الصورة المناسبة لكل مخلوق ..

فلو عرفت أن الله هو الخالق فقط ، فالعامة وحتى إبليس يعرف أن الله هو الخالق ، لكن الإعتراف والإقرار لايكفي ، بل المُهم هو : ماذا تعرف عن الله عزوجل ؟؟ وبذلك يظهر إيمانك بالله ودرجة إيمانك به..

وهناك مثال يوضح ويُقرِّب المعنى ، ولله المثل الأعلى ولكن للتقريب ، مُهندس صمم بناء على الورق ، وعِلْمه وضعه في هذه الخريطة ، والخريطة تضم : خريطة الأساسات ، فالطابق الأول والطابق الثاني والدعائم الاسمنتية ، والشرفات وكله على الورق ، فالخلق تقدير ، أما الباريء فهو الموجد من عدم ، كن فيكون ، والآن جاء دور حفر الأساسات وصب الخراسانات إلى أن قام البناء ، فالخلق هو التقدير ، والبارئ هو الذي أوجد من عدم .

لكن البناء على الهيكل منظره قبيح جداً ، فلا بد من عمل آخر وهو إعطاء هذا البناء الشكل المقبول ، فجاء دور البلاط ، وعامل الكهرباء وزيَّن الشرفات ، والجدران من الداخل والخارج ، فصار البناء جميلاً جداً .. وهذا معنى ( الخالق البارئ المصور ) ولله المثل الأعلى ..

والمصور إعطاء الصورة الخارجية فالذي يرى في التشريح إنسان كله عضلات وهو منظر مخيف ، فعضلات الوجه بالعشرات ، ويرى إنساناً كله أعصاب ، وآخر كله أوعية ، وهناك صورة هيكل عظمي ، وانظر إلى الإنسان في آخر وضع بعد كسوته بالجلد تجده جميلاً ، وانزع الجلد عنه فهناك المنظر المُخيف ، فربُنا أعطاه صورة جميلة ..

فهذا الإنسان خُلق بعلم ، فالقلب والعظام كلها خُلقت بعلم ، وبعد العلم هناك إيجاد ، وبعد الإيجاد هناك صورة أعطاها الله هذا المخلوق كالبناء تماماً ..

فأسماء الله الثلاثة الخالق والبارئ والمصور ، أسماء مُتلازمة مُتآلفة في غايتها تجمع بينها آصرة واحدة وهي العلاقة الوشيجة لعملية الخلق ، خلقاً  وبرءاً وتصويراً ، والمُصور يعني أن الله اعطى كل شيء صورته ، ليس معنى الصورة الشكل الخارجي بل القوام الكامل طولاً وعرضاً وارتفاعاً وعمقاً ، فالنملة لها صورة ، والفيل والحوت له صورة ، وكُل مخلوق له صورة ..

ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ يتذكر قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) التين: 4 ، فما من مُبدع غير الله الخالق البارئ المصور ، فلا يكفي أن تعرف أن الله هو الخالق فهذا كلام كل الناس ، لكن لو عرفت خلقه وإبداعه وإيجاده كل شيء من عدم لأطعته ، وإذا حملك إيمانك على طاعة الله فنمْ قرير العين واطمئن لأنه يُنجيك ..

   ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )

المصدر: كتاب أسماء الله الحسنى .. الكاتب محمد راتب النابلسي

الخالق

image

واحاتي : 20

الاسم السابع عشر من أسماء الله الحسنى : الخالِق

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.  تعريف الاسم

2.  تطبيقاته العملية

3.  علاقة المؤمن به

الخلق في اللغة : الإيجاد والإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود ، تعريف عظيم  ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 21 ، فالله هو الخالق وحده ،  ولا أحد سواه ينبغي أن تعبده ، والخالق وحده هو الذي إذا عبدته سعِدْت بعِبادته ، وإذا عبدْته نجوت من عذابه ، وأفلحت في حياتك ، وفُزْت بعد مماتك ، ودخلت الجنة ..

في المعنى المألوف اليوم أن الصانع وحده هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تعطي تعليمات التشغيل ، فلو أن آلة ثمينة تملكها ، واتبعت في تشغيلها جهةً غير جهة الصانع فقد أفسدتها وخسرتها ، فببساطة لا يُعْبد ولا يُتَّبع ولا يُطاع إلا الصانع ، فهو خبير عليم يعلم طبيعة هذه النفس وما يصلحها وما يفسدها وما يُشقيها وما يطمئنها وما يخيفها ، والذي يكون مع الحق لا يخيب ظنه ولا يحبط عمله ولا ينقطع رجاؤه ولن يُفاجأ بحدث لم يكُن متوقعاً ، لذا عليك بهذا القرآن ففيه الهدى ..

لماذا يشقى بعض الناس في الحياة ؟ لأنهم موزعون بين جهات عديدة ، إذ عليه أن يُرضي زوجته ، وأن يُرضي أمه ، وأن يُرضي من فوقه في العمل ، وأن يرضي فُلاناً الذي يهدده  ، لكن المؤمن يُرضي جهةً واحدة ، وهذه الجهة الواحدة القوية ، وبيدها كل الجهات ، لذلك قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( من جعل الهموم هماً واحداً همَّ المعاد كفاه الله سائر همومه ومن تشعَّبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يُبال الله في أي أوديتها هلك ) إسناده حسن عن ابن ماجه عن ابن مسعود ..

جهة واحدة تستحق العبادة والحب والإخلاص ، ,أن تعمل لها ، وأن تُفني شبابك من أجلها ، وأن تبذل كل عمرك في سبيلها ، هي الذات الإلهية ، وأُلخصها بكلمة واحدة : تضحية صادقة لكنها مُجْزية ، فالخالق هو الله ، يحْتاجه كل شيء في كُل شيء فاعبدوه ..

فلنُلاحظ أن أمر العبادة يأتي في الأعم الأغلب في القرآن الكريم بعد اسم الخالق ، (اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) ، والحقيقة أن القرآن الكريم كتاب العمر ، وهو الكتاب المُقرر ، فعندما تقرأ القرآن ومرَّت عليك كلمة الخلق ابحث عن العلاقة بينها وبين ما قبلها وما بعدها ،  حينما تَشُحِّ الأمطار وتنْحبس السماء لا توجد جهة في الأرض كلها بإمكانها أن تُنزل الماء ، فليس لأحد حيلة إلا أن يجأر بالدعاء إلى الله عزوجل ..

أما صيغة ( الخلاَّق ) فهي صيغة مبالغة ، يعني كثير الخلق وعظيم الخلق ،فلو رأيت المجرات لهالك ما ترى ، لو صعدت إلى جبال الهملايا سيُدهشك ارتفاعها ، الحوت الأزرق وزنه مئة وخمسون طناً يُسْتخرج منه تسعون برميلاً من زيت السمك ، غزارة الأمازون ، كُتل السحاب، وكلها شاهدة على الله الخالق ، فالخلاَّق إما كثرة الخلق عدداً ، وإما عظمة الخلق نوعاً ..        

قال تعالى : (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) المؤمنون: 14 ، انظر إلى مركبة عام ألف وتسعمائة وتسعين فتفهم أن الإنسان ارتقت صناعته وتكاملت أعماله لضعف خبرته ، إذاً فخبرته مُكْتسبة ، لكن انظر إلى خلق الإنسان ، هل هناك إنسان مُعدَّل ؟ إنسان نمط تسعين أو ثمانين ، ليس إلا نوع واحد ودون أي تعديل ، لأن علم الله قديم وخبرته قديمة  ..

وقال تعالى : (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ) الأعراف: 54، أي خلق : قدَّر، ثمَّ أمر : كُن فيكون يعني أوْجد من عدم ، فمما يُطمْئِن الإنسان أن الذي يخلقه الله عزوجل يبقى رهن أمره ، فأنت اطمئن أن كل من حولك وما حولك بيد الله عزوجل ..

ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ إذا كان سبحانه الخالق والخلاَّق وله الأمر من قبل ومن بعد ، فلا يحِقُّ لك اللجوء لغيره وطلب العون والمدد من مخلوق ، كل ما في الأرض والسماء يشهد بصنعة الخالق ، الذي إذا عبدته سعدت بعبادته ، وإذا عبدته نجوت من عذابه ودخلت الجنة وسُعدت فيها للأبد ..

    ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )
كتاب أسماء الله الحسنى …. الكاتب محمد راتب النابلسي

المعز المذل

image

واحاتي : 19

الاسم السادس عشر من أسماء الله الحسنى : المُعزُّ ، المُذلُّ

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.      علاقة المؤمن به

في رحاب المُعزُّ نسْعد ونهْنأ ، ولهذا الاسم مقدمة لطيفة ، أودع الله عزوجل في الإنسان عدة دوافع وهي : دافع الشراب والطعام يضمن بقاء الفرد ، ودافع الجنس ليضمن بقاء النوع ، ودافع لا يقل أهمية عما سبق وهو الشعور بالأهمية أو تأكيد الذات أو الإعتزاز وهذا الدافع ليقيها من الإنحراف ، ويبعدها عن المعصية ترفعاً واعتزازاً .. فلا تستخف بهذا الدافع فهو دافع كبير جداً وما أودعه الله إلا رحمة بالإنسان ليحول بينه وبين السقوط في براثن القيل والقال ..

إذاً الفكرة الأولى إذا طبقت أمر الله عزوجل واستقمت عليه ، فأنت عزيز ، ولن تكون عزيزاً إلا إذا كنت صادقاً وأميناً ومستقيماً ومخلصاً وواضحاً ..

أيُّ انحراف يتبعه ذُل الفضيحة ، عرف أحدهم أنك لست بصادق لحقك الذل ، كَشَف أنك لست بأمين فسحب الثقة منك ، كُشِف أنك لست بعفيف تشكك الناسُ فيك ..

فلو طبقت كل شرع من شرائع الله بحكمة وحذق ودقة ، فأول ثمرة من ثمارها أنك تعيش بين الناس عزيزاً ، لا يستطيع أحد أن يلوك سمعتك بلسانه ، أو يفتري عليك أو يتهمك ، لأنه ليس له دليل ، وإذا كنت عزيزاً حققت ثلث وجودك ..

ولا يجوز أن نقول الله مُذل فقط ، بل الله مُعز ومُذل ، والأصوب أنه يّذل من أجل أن يعز ،  والله عزوجل لا يضع الإنسان في موضع ذليل إلا من أجل أن يعالجه كي يُعزه ، وينبغي أن تعتقد جازماً أنه إذا أذل فمن أجل أن يُعز ، لكن البطل لا يحتاج إلى أن يذل كي يعز ..

إذاً يمكن أن تكون عزيزاً إذا اتبعت كلام الله ، ويمكن أن تكون عزيزاً إذا أذلك الله عزوجل إثْر إنحراف ثم تُبت من هذا الذنب ، فأنت بين أن تكون عزيزاً بعد ذُل ، وبين أن تكون عزيزاً بعد علم ، والفرق كبير ، تعلَّم منذ البدء وكُن عزيزاً ، وإياك أن تدفع ثمن عزَّتك ذُلاً ومهانةً وإيلاماً

أحياناً الإنسان بدافع من عزته الباطلة يعصي الله ليُحافظ على مكانته ، فلو كُنت بين أُناس فجَّار ومُنْحرفين ، وأردت أن تماشيهم في معصية حفاظاً على مكانتك عندهم ، فقد أكرمت نفسك أمامهم ، ولكنك سوف تجعلها في الوحول يوم القيامة ..

وقد تضع نفسك في الدنيا حفاظاً على دينك واستقامتك ، وحفاظاً على مرضاة الله ، قد تضع نفسك في موضع صعب جداً ، حين ترفض تأتيك عبارات التقريع والسخرية والاتهامات ..      ( ألا يا رب مُكْرم لنفسه وهو لها مُهين ، ألا يارب مُهينٌ لنفسه وهو لها مُكرم ) 

قد تكون عضواً في لجنة يُعرض عليك كذا وكذا ، فترفض أن تفعل ما يُغضب الله ، وتُعْزل من اللجنة ويأتيك اللوم الشديد ، ويُقال لك ضيَّعْت فرصة العمر في أن تكون غنياً ، تذكر رُبَّ مُهينٌ لنفسه وهو لها مُكرم..

وإذا اعتززت بشيء من متاع الدنيا فإن عزه باطل ، بل يُعتزَّ أحيانا بشخصٍ قد مات ، أو بمتاعٍ فانٍ ، قال بعض العارفين : ( عزُّ الدُّنيا بالمال ، وعزُّ الآخرةِ بالحال ) لك حال فيه طُهر ونقاء واستقامة وشوق ومحبة هذا عزُّ الآخرة ..

وأخرج الطبراني في الأوسط بسندٍ حسن عن سهل عن سعد قال : جاء جبريل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ) ، فالعزة صفة أساسية من صفات المؤمن ..

ما علاقة المؤمن بهذا الإسم ؟ أنه إذا طبَّق أمر الله صاراً عزيزاً حكيماً ، والله عزوجل بأمره يعزك إذااعتززت به واعتمدت عليه وأخلصت له ، وأقبلت عليه ولم تُشرك به ، والمعز والمذل اسمان يجب أن نلفظهما معاً ، والأصوب أن نقول : يُذل ليُعز ..

( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )
 
المصدر: كتاب أسماء الله الحسنى … للدكتور محمد راتب النابلسي

القابض ،،، الباسط

image

واحاتي : 18

الاسم الخامس عشر من أسماء الله الحسنى : القابض ، الباسط

سنراعي في كل اسم من أسماء الحسنى نقاط ثلاث :

1.     تعريف الاسم

2.     تطبيقاته العملية

3.     علاقة المؤمن به

أول ملاحظة أذكرها في هذا الاسم أنه لا يجوز أن تقول أن الله قابض فقط ، لأنك إذا قلت قابض فمعنى ذلك أنك تصفه بالمنع والبخل ، لكن إذا قلت قابض باسط فمعنى ذلك أنك وصفته بالقدرة والحكمة ..

فلا بد أن نعطي الكلمة معناها اللغوي ، القبض لغةً هو الأخذ ، والبسط هو التوسيع والنشر ، فكل أمر ضيقه الله عزوجل فقد قبضه ، وكل أمر وسعه فقد بسطه ..

أول معنى من المعاني في القبض والبسط هو الرزق ، قال تعالى : (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ) العنكبوت: 62 ، فإذا أراد رب العالمين أن يرزقك ألهمك الوسائل والأساليب والتحركات المناسبة للربح ، وإذا أراد أن يقبض وكنت غنياً فقد سِرت في طريق الإفلاس وأنت لا تدري ..

ولكن إياك أخي القاريء أن تظن أن البسط عند الله عزوجل فيه معنى الإسراف ، وأن القبض فيه معنى البخل ، بل يقبض عن حكمة وقدرة وعلم وتقدير ،ويبسط عن إكرام وتوسعة وامتحان ، فبسطه إكرام أو امتحان ، وقبضه معالجة أو وقاية ..

ثاني معنى : متعلق بالسَّحاب ، قال تعالى : (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء ) الروم: 48 ، هذا السحاب ينتشر في السماء كما يشاء الله – عزوجل – ، وقد يقبضه عن قوم ويبسطه لقوم ..

ثالث معنى : يقبض ويبسط في الأنوار والظلال ، فقال تعالى : (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ) الفرقان:46 ، فأين النهار إذا جاء الليل ؟ وأين الليل إذا جاء النهار ؟ فالله يقبض النور ويبسطه

رابع معنى : أن الله عزوجل يقبض الأرواح ، فإذا قبض روح العبد أماته ، وإذا بسطها أحياه ..

والمعنى الخامس : يتعلق بالأرض أيضاً ، فهو سبحانه يقبضها ، قال تعالى : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) الزمر:67، فبسط الأرض وجعلها صالحة لحياتنا ، وقبضها أي أنهى عملها ووظيفتها ..

والمعنى السادس : أن الله سبحانه يأخذ الصدقات أي يقبضها ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( إنَّ العبْد إذا تصدَّق من طيِّب تقبَّلها الله منه وأخذها بيمينه وربَّاها كما يُربِّي أحدكم مُهْرهُ أو فصيلَهُ ، وإن الرجل ليتصدق باللُقمة فتربو في يد الله أو قال في كف الله حتى تكون مثل الجبل فتصدَّقوا ) ..

لكن ما نحتاجه جميعاً ان رب العالمين يقبض القلوب ويبسطها ، والحقيقة إذا قصَّرت في عباداتك وتهاونت في صلاتك قبض الله عنك الأحوال الطيبة  ، شعرت بالوحشة وبالضيق وبالحرمان ، فتفزع إلى الله وتقوم إلى الصلاة وتحس بالخشوع فهذا هو البسط ، فربنا سبحانه يعالج المؤمن ، وكل معصية يقابلها انقباض ، وكل طاعة يقابلها انبساط ..

لكن حين تحس بطعم الطاعة تصبح متفائلاً ، بشوش الوجه ، سعيد ، وتبدأ تنظر للناس أنهم مقصرون ، ضعيفو الهمة ، وهذا الشعور بالانبساط يصاحبه أحياناً انزلاق وعُجب وكِبر فالعلاج هو حالة القبض ، فتراه ساكتاً ، يشعُر بضيق ، ويقوم ليُصلِّي فلا يشعر بطمأنينة ..

فإذا استحققت من الله حالة البسط ، فإياك أن تنزلق منها إلى الغرور أو الاستعلاء أو الإعجاب ، إذاً مع البسط هناك مُنزلق وهو الإعجاب ، أما إذا جاءك القبض إثر معصية أو انحراف فهذا قبض المعصية ويعقبه إحساس بالكآبة ، ورب العالمين هو رب النفوس إذ يُربي الأجساد بالمواد ، ويُربي النفوس بتقليبها من حال إلى حال ..

فالقبض والضيق والوحشة الناتجة عن المعاصي هذه علاجها الطاعات والتوبة ، أما القبض الذي ليس له سبب ظاهر للإنسان المستقيم هو معالجة إلهية لطيفة له، فلعله فاه بكلمة جارحة ، أو أساء الظن بالله ، أو جرح كرامة شخص ..

ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ يجب أن تُجري موازنة دقيقة بين أن تُطْمع الناس برحمة الله وبين أن تُيئَّسْهُم من جنته ،  حبِّب الناس إلى الله وخوفهم من عذابه ..

      ( أحببت الله من أسمائه فأحببت أن تحبوه )
المصدر: كتاب أسماء الله الحسنى … للدكتور محمد راتب النابلسي